1. هيجل وطبيعة العقل الجدلية

من خلال مقولة انجلز الدوغمائية ماركسيا اعتباره (قوانين الطبيعة) تعمل بشكل جدلي ديالكتيكي ذاتي بعيدا عن رغائب الانسان. قول انجلز هذا يوقعنا بمأزق ليس سهلا علينا التخلص منه. ماهي العلاقة التي تربط بين قوانين الطبيعة الثابتة وقوانين الديالكتيك المتغيرة؟. الاسبقية في التحكم بالطبيعة والمادة والتاريخ هي لمن؟ هل هي لقوانين الطبيعة ام لقوانين الديالكتيك؟.

أم هما متكاملان في التحكم بالمادة والتاريخ والانسان. لا يمكننا القول ان قوانين الطبيعة(الثابتة) هي نفسها قوانين الجدل الديالكتيكي (المتغيرة) وهما يعملان بخصائص ذاتية باختلاف خواص قوانين الطبيعة هي قوانين فيزيائية ثابتة. بينما قوانين الجدل الديالكتيكي هي قوانين تحكم التاريخ في سيرورة متغيرة ليست ثابتة. في تخطئتنا عبارة انجلز نقول قوانين الطبيعة العامة ثابتة فيزيائيا ولا تدخل في علاقة جدل ديالكتيكي مع ظواهر او قوانين هي من صنع علاقة الانسان بالطبيعة.. الديالكتيك المادي الجدلي في قوانينه الثلاث انما يقوم على ركيزة التضاد التي تحكمهما وتجمع بينهما المجانسة النوعية الواحدة زائدا الحركة الدائمية الدائبة لطرفي التضاد الجدلي. التضاد محكوم بزوال ما يسمى طرف السلب ليخلي الطريق امام الطرف الايجابي ان ياخذ دوره في استحداث الظاهرة الثالثة الجديدة نتيجة التضاد بين سالب وموجب.

هذا الخلط الذي بدأه انجلز قوله طبيعة قوانين الطبيعة محكومة بالجدل الديالكتيكي أوقع هيجل بخطا فلسفي فادح قوله (طبيعة العقل جدلية بالفطرة البايولوجية للانسان). وهذه الطبيعة الجدلية للعقل هي التي تحكمنا في تحليل كل مظاهر المادة والحياة والتاريخ بقوانين الجدل الثلاث. اولا وحدة وصراع الاضداد، ثانيا تحول الكم الى كيف (نوعي)، وثالثا قانون نفي النفي.

اعتقد انزلاق انجلز قوله قوانين الطبيعة هي ذات خصائص ديالكتيكية لا موجب الوقوف لتفنيد خطأها فهي ولدت ميتة بدوغماية فجّة واضحة.

اما بخصوص مقولة هيجل التي لا تقل ابتذالية فلسفية دوغمائية عن مقولة انجلز في مقولته طبيعة العقل الديالكتيكية بالفطرة هي التي تملي وتخلع على التاريخ والمادة طبيعتهما الجدلية المادية الديالكتيكية.

طبيعة العقل جدلية بايولوجيا بالفطرة هراء وخرافة فلسفية اطلقها هيجل. ولا يمكن لطبيعة العقل الجدلية هذه حسب تعبير هيجل ان تخلع على تفكيرنا ان كل شيء يتوجب تحليله ودراسته وفق منطق الديالكتيك. قوانين الجدل يحكمها التغيير الحاصل بكل شيء محكوم بالحركة والسيرورة المتقدمة فهي لا تلتقي قوانين الطبيعة الفيزيائية العامة الثابتة.

تمهيد

هناك أزمة ثقة في المجتمعات الغربية اليوم. ويأتي ذلك بعد عقود من الإيمان الراسخ بالتقدم. إنه أمر خطير ويتعلق بالابتكار التكنولوجي. وترتبط هذه الأزمة بالتوتر "الانهياري". لماذا يرتبط التقدم التكنولوجي المبهر بالخوف من المستقبل؟ فهل لا تزال تتكيف مع توقعات البشرية؟

إن المناقشات بين محبي التكنولوجيا وكارهي التكنولوجيا تسير على المسار الخاطئ لأن التقنية والتكنولوجيا مجرد وسيلة. يتم استخدامها لإنشاء أو القيام بالأشياء. إنهم ليسوا أكسيولوجيين. إن استخدامها هو الذي يمكن أن يسبب مشاكل. أقدم لكم وجهة نظر طبيب فرنسي مواطن إنساني لمقاربة جديدة للحضارة التكنولوجية. فماهي النظرة الأخرى لقيام منهج جديد للحضارة التكنولوجية؟

مفهوم التكنولوجيا

بالمعنى الأول هو دراسة وتدريس التقنيات. التقنية (أو "techne" - الفن أو الدراية) هي مجموعة من الوسائل. ويستخدم العمليات لتحقيق غاية. تستخدم التكنولوجيا التقنيات، وتضعها في تآزر. هذه التقنية أكثر بدائية وتجريبية. فالتكنولوجيا أكثر حداثة، وأكثر ارتباطا بالعلم، وأكثر تعقيدا. لقد قامت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر على الفحم والمعادن والمحرك البخاري. ثم جاءت الكهرباء والنفط والكيمياء والتصنيع والإنتاجية. هناك الآن عدة أنواع من التكنولوجيات: "التكنولوجيا العالية"، "التكنولوجيا الحيوية"، "التكنولوجيا الخضراء"، والعلوم التقنية التي لم تعد تنطبق فقط على الأدوات والآلات. ومن الجانب الفني هنا نأتي إلى الجانب التنظيمي، والاستراتيجي، والمفاهيم، و"الافتراضي". إن الفيزياء الفلكية، والطب، وتكنولوجيا النانو، والكم، والذكاء الاصطناعي هي في طليعة العلوم. مشاريع التقنيات المتقاربة لـتقنية النانو، وعلم الأحياء، والمعلومات، والإدراك تتنبأ بعالم في حالة تحول كامل مع نتائج غير مؤكدة، مما قد يزعج الأخلاق.

إن الدراما "الوجودية" التي يعيشها العالَم الحديث هي نتيجة لتحول كارثي حقيقي في مؤسساتنا وأساليب معتقداتنا. وهي تنافس في نطاقها وأهميتها، إن لم تكن تتجاوز، التحول الذي أحدثته "الثورة العلمية" في القرنين السادس عشر والسابع عشر. وقليلون هم الذين ما زالوا يشككون ـ حتى وإن كانوا لا يدركون بعد ـ في النطاق الشامل والعالمي لهذه "الثورة العلمية الثانية". إن أنماطنا الأساسية في التفكير والعمل، والبنية المؤسساتية، والهوية الشخصية، والتنمية الاقتصادية، والعلاقة بالطبيعة، كل هذا يتطلب مراجعة جذرية إذا كان لنا أن نحافظ على الحياة البشرية على هذا الكوكب (وخارجه) ونزدهر. وعلى هذا فإننا نواجه عالماً تتعرض هياكله المعنوية وأسسه المؤسساتية المقابلة لها للتقويض، الأمر الذي ينذر بتحول ثوري. ولا شك أن هذا التحول، على الرغم من عدم وضوحه في الوقت الحاضر، لا بد وأن يكون جذرياً وشاملاً. ويقيم هذا العمل طبيعته بشكل نقدي، ويحدد هياكل رؤية عالمية بديلة، ثم يطور الخطوط العريضة للنظام الاجتماعي والمؤسساتي الذي يقترحه. ويختتم هذا الكتاب بمناقشة الاستراتيجيات العملية التي يمكننا من خلالها أن نأمل بشكل معقول في مواجهة التحديات التي تواجه الحضارة المعاصرة. فما هي الفلسفة الغربية؟ تشير الفلسفة الغربية إلى المفكرين والنظريات في أوروبا والولايات المتحدة. وقد شملت العديد من المناقشات في الميتافيزيقا ونظرية المعرفة والأخلاق والمنطق وما إلى ذلك. والمواقف في هذه المناقشات متباينة للغاية لدرجة أنه لا يوجد سوى القليل مما يمكن قوله عما يجمع بين الفلاسفة الغربيين خارج منطقتهم الأصلية. وبالتالي، لا توجد طريقة موجزة لبيان الفرق بين التقاليد الفلسفية الشرقية والغربية. يمكن تحديد الفلسفة الغربية من خلال مجموعة قانونية من المفكرين بالإضافة إلى بعض التمييزات والمفاهيم المتكررة. أفلاطون وأرسطو وديكارت وكانط جميعهم مفكرون غربيون. بالإضافة إلى وجود مجموعات متميزة من المفكرين، تأثرت الفلسفات الغربية والشرقية بأديان مختلفة. كانت الديانات التوحيدية، وخاصة المسيحية، أكثر تأثيرًا في الفلسفة الغربية، في حين كان للهندوسية والبوذية تأثير أكثر أهمية على الفلسفة الشرقية. فما هي خصائص الفلسفة الغربية؟ تتميز الفلسفة الغربية بمجموعة من المفكرين التقليديين بما في ذلك أفلاطون وأرسطو وديكارت وكانط، إلخ.

في نهاية الجزء السابق، وعدنا روبنس بيليدور بتوضيح ماهية الحرية الإنسانية التي هي موضوع هذه الدراسة. حان الوقت لكي نقوم بدراسة ماهية الحرية فعلياً. هكذا اصبح السؤال عن أساس جوهر الإنسان أمرا لا مفر منه. إنما نحو جذر وتجذر وجودنا الإنساني كما هو يقودنا السؤال الموجه بمضمونه الأساسي الخاص. نتساءل من خلال السؤال الأساسي عن فهم وجود الوجود، وهذا التساؤل عن السؤال الأساسي له في ذاته في نفس الوقت توجه متسائل نحو أساس إمكان الوحود الإنساني. يتساءل عن الإنسان في عمق جوهره، بمعنى أنه ينطوي في ذاته على إمكان دراسة لا تتناوله من الخارج، بل تصعد من عمق جوهره. أثبتنا أن عرض أفق مشكلة الحرية لم يكتمل إلا من خلال الخيط الهادي لتأويل الحرية الذي أظهره كانط. لكن من يقول لنا إن هذا التأويل، مهما كان أساسيا، هو التأويل الفلسفي المركزي؟ عند كانط، كما يؤكد شيلينج، ما تزال الحرية هي ما يجب أن يهيمن
على الحساسية، لكنها ليست كذلك فحسب، لأنها في هذا هي بالفعل استقلال ذاتي، صيانة نفسها على أساسها الخاص، وتحديد ذاتي باعتبارها تشريعا ذاتيا. إلا انه مع المفهوم الكانطي عن الحرية، فإن تحديد الجوهر الصوري لحرية الإنسان لم يكتمل بعد. ذلك أن كانط وضع هذه الحرية، بمعنى الاستقلال الذاتي، حصرا في العقل الخالص للإنسان.
لا يبقى العقل الخالص مختلفا عن الحساسية فحسب، بل يظل هو ما يختلف أيضا عنها جوهريا، ما يختلف عن "الطبيعة" كما هي مختلفة عنه تماما. أكثر من ذلك، من يقول لنا إن الحرية يجب أن تُفهم في المقام الأول في ارتباط بالسببية؟ بكل ذلك، اقتصرنا حتى الآن على تحصيل معرفة، وهو ما مكننا من أن نعلم في أي اتجاه ينبغي، على أي حال، أن يتحرك السؤال حول الحرية. ومع ذلك، ما قيل لنا أبدا ضمن ما قيل إن ذلك هو العرض الوحيد والضروري

للمشكلة. أدرك كانط حقيقة الجوهر العام للحرية باعتبارها استقلالا ذاتيا وتحديدا ذاتيا وفق قانون أساسي وصحيح، لكنه لم يتصور بعد الفعل الأصلي للحرية الإنسانية في وقائعيتها.
عندما نتساءل حقا عن ماهية الحرية، نجد أنفسنا أمام السؤال عن ماهية الموجود كما هو. السؤال عن ماهية الحرية الإنسانية يتم إدراجه على هذا النحو وبالضرورة في السؤال الذي يطلب تحديد ما يكونه الموجود كما هو على الوجه الصحيح. لهذا ينبغي الآن، في المنظور الهايدجري لمفهوم الحرية، أن نطرح صراحة السؤال عن الحرية الإنسانية. نحن نعرف السؤال بالصيغة الشائعة لـ "مشكلة حرية الإرادة" - مشكلة الإرادة الحرة. هنا نخوض النقاش في ما إذا كانت حرية الإنسان حرة أم غير حرة، وكيف يمكن الاستدلال على ذلك بطريقة مقنعة كفاية. تعتبر الحرية بالتالي خاصية للإنسان؛ لما يكون ومن يكون الإنسان، ما نعتقد في هذه الحالة أننا نعرفه بالفعل - الشك الوحيد الذي ينتابنا بشأن هذه الخاصية التي هي الحرية: معرفة ما إذا كانت تنتمي إليه كما تنتمي أيضا إلى ملكته الإرادية، أو ما إذا كان يجب إتكارها. الحرية عند هايدجر لا تُعطى كخاصية للإنسان، إنما بالعكس الإنسان هو بالأحرى ملك خاص للحرية. الحرية هي الماهية التي تحتوي الوجود الإنساني وتنقله من طرف إلى آخر؛ هي ما يجب أن يُعاد توجيه الإنسان إليه ليصبح إنسانا حقا. ذلك ما يعني أن جوهر الإنسان يقوم على الحرية.

وإذ نتعامل مع ماهية علاقة، لا نريد معاينتها أو إقامتها هنا وهناك على أساس أنها واقعة. وحتى لو كان الأمر كذلك، فيجب علينا أولاً أن نعرف ما هذا الذي يجب بعد ذلك معاينته. ولكن إذا نظرنا إلى علاقة في جوهرها، فهل يجب علينا أيضا، كما في حالة المعاينة، أن نلتزم بأعضاء هذه العلاقة؟ خلال التعامل مثلا مع جوهر "اللاهوية"، هل يجب علينا أن نلتزم بهذه الطاولة وبهذا المصباح؟، أو هل نعاين، بالإضافة إلى هذه الأخيرة، لاهويات أخرى (البيت والشجرة، المثلث والقمر، الخ..)؟ يمكننا ان نجيب كما هايدجر بلا. لإدراك جوهر اللاهوية، لا يهم أن نعرف على اي لاهوية محددة لأي لامتماثل محدد نبقي أعيننا ثابتة ونأخذها كنموذج. ومن ناحية أخرى، ما يزال يتعين علينا أن نبقى تحت النظر الأعضاء النسبية لأننا لا نستطيع تجاهل هذه. الأعضاء. هكذا، من خلال تحديد جوهر علاقة، لا نكون بالتأكيد مجبرين، كما في حالة معاينة علاقة محددة وفي متناول اليد بين موجودات-هنا-أمام محددة، على أن نلتزم بهذه الأعضاء النسبية المحددة، ولكن يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار بدقة هذه الأعضاء النسبية كما هي، أي- أي كنسبية، في علاقتها ذاتها.
لا يهم ما إذا تم تشكيلها فعليا بهذه الطريقة أو تلك - هذا الاحتمال لمحتواها لا يعني أنه لا يبالي، في توضيح جوهر الوجود النسبي كما هو، بأن يأخذها بعين الاعتبار أم لا. لذلك لنحاول قدر الإمكان تطبيق ذلك على مشكلتنا. في السؤال عن ماهية الحرية الإنسانية - على الأقل طالما أننا نأخذها كأساس للمفهوم السلبي - نسائل استقلال الإنسان عن العالم وعن الله. لا نسعى إلى إثبات ما إذا كان هذا الإنسان أو ذاك مستقلاً عن هذا العالم أو ذاك، عن هذا الإله أو ذاك، ولكننا نسعى إلى جوهر استقلال الإنسان كما هو تجاه العالم والله كما هما.
إنما بالضبط عندما نريد إدراك جوهر هذه العلاقة، هذا الاستقلال، يجب علينا أن نسائل جوهر الإنسان وكذلك جوهر العالم والله. ما إذا وكيف يمكن إجراء مثل هذا المساؤلة ودعمها، يبقى ذلك رهينا بتوضيح لاحق. لنحتفظ ببساطة من التأملات المذكورة أعلاه، بما يلي: من الاستقلال كعلاقة سلبية، يبنبثق،إذا جاز التعبير، هذا الذي يكون تجاهه الاستقلال، ولكن لا يترتب على ذلك أن اعتبار جوهر الاستقلال يمكن أن ينبثق أيضًا من اعتبارهذا الذي يكون تجاهه الاستقلال ما يكون. بل على العكس تماماً: لأن الاستقلال تجاه كذا-وكذا.. علاقة، لأنه يعود إليها باعتبارها كذلك أن تكون مرتبطة بالعالم والله، ولهذا السبب على وجه التحديد يجب أيضا أن يؤخذ هذا ال "عن ماذا" يكون الاستقلال في الاعتبار، يدرج في الثيمة. باختصار، ما ينطبق على المحتوى الأساسي للعلاقة، ابتعاد، انفصال عن .. - لا ينطبق على الاعتبار الأساسي لهذه العلاقة نفسها التي سنقوم بتوضيحها لاحقا.

الميتافيزيقا، هذا المجال الفلسفي العميق الذي يتجاوز حدود التجربة الحسية والعقل المادي، تشكلت كرحلة مستمرة للإنسان في سعيه لفهم أعمق الأسئلة المتعلقة بالوجود، والكون، والجوهر، والمعنى. إنها الأرضية التي يقف عليها الفكر الفلسفي محاولًا اختراق حجاب الظواهر المحسوسة للوصول إلى أبعاد تتجاوزها، إلى العلل الأولى والحقائق النهائية التي تقبع في جوهر الواقع. ومنذ أن صاغها الإغريق بوصفها علمًا يبحث في ما هو "ما وراء الطبيعة"، أصبحت الميتافيزيقا الركيزة الأساسية التي انبثقت منها تأملات الفلاسفة حول الكينونة، والحقيقة، والمطلق.

في الوعي الفلسفي الأوروبي، كانت الميتافيزيقا دائمًا نقطة انطلاق وعودة، حيث خاضت الفلسفة الأوروبية حوارًا دائمًا مع هذا المفهوم، متأرجحة بين تمجيده ونقده، بين تطويعه وإعادة تعريفه. كان الوعي الأوروبي يرى في الميتافيزيقا مجالًا لاستكشاف الأسئلة التي لا يستطيع العلم الإجابة عليها، والأسس التي يقوم عليها العقل نفسه، مثل وجود الله، الطبيعة الجوهرية للعالم، وغاية الحياة.

بدأت الرحلة الميتافيزيقية مع الفلسفة اليونانية الكلاسيكية، حينما نظر أفلاطون إلى عالم المثل كجوهر أبدي يتجاوز التجربة الحسية، ورأى أرسطو أن دراسة "الوجود بوصفه وجودًا" هي مفتاح لفهم كل شيء. وفي العصور الوسطى، أعادت الفلسفة المسيحية صياغة الميتافيزيقا لتتفق مع العقيدة الدينية، معتمدين على إرث الفلاسفة الإغريق وشروح الفلاسفة المسلمين، الذين ساهموا بدور كبير في نقل وتطوير هذا التراث.

مع بداية العصر الحديث، شهدت الميتافيزيقا تحولًا جذريًا على يد ديكارت، الذي جعل العقل الإنساني مركزًا للمعرفة، وسبينوزا، الذي وحد بين الله والطبيعة، وكانط، الذي قلب الطاولة على الميتافيزيقا التقليدية بتركيزه على حدود الإدراك البشري. أما في العصر الحديث، فقد أصبحت الميتافيزيقا مسرحًا لتفاعلات معقدة بين الفلسفة القارية والتحليلية، وبين نقد الحداثة وما بعدها، حيث أعاد فلاسفة مثل هايدغر ودريدا النظر في أسس الميتافيزيقا التقليدية، محاولين تحرير الفكر من أنماطه الثابتة.

عرفت الفلسفة الحديثة ثلاثة رسائل شهيرة حول التسامح:

الأولى: رسالة في التسامح (بالإنجليزية: A Letter Concerning Toleration)‏ للفيلسوف الإنجليزي جون لوك نُشرت في الأصل عام 1689م. نشرها لأول مرة باللغة اللاتينية، على الرغم من أنه تمت ترجمتها على الفور إلى اللغة الإنجليزية. ظهر عمل لوك وسط مخاوف من أن الكنيسة الكاثوليكية قد تستولي على إنجلترا، وتستجيب لإشكالية الدين والدولة من خلال اقتراح التسامح الديني كحل. هذه الرسالة موجهة إلى صديق لوك المُقَرَّب فيليب فان ليمبورغ، الذي نشرها دون علم لوك.

الثانية: رسالة في التسامح (بالإنجليزية: Treatise on Tolerance) للفيلسوف الفرنسي فولتير نشرت في الأصل عام 1763م. ظهر عمل فولتير في حدث محاكمة جان كالاس سنة 1762م  وهو تاجر بروتستانتي فرنسي اتهم بقتل ابنه مارك أنطوان لمنعه من اعتناق الكنيسة الكاثوليكية . أُعدم كالاس في 10 مارس 1762م، بعد تعرضه للتعذيب؛ ولم يعترف قط بالجريمة التي كانت تفتقر تمامًا إلى الأدلة. أُعدم كالاس إلى حد كبير استجابة لرد فعل الغوغاء الغاضبين وحماسة بعض القضاة المحليين. وهذا هو ما جعل فولتير يشعر بالظلم الشديد في هذه القضية، فقام بحملة خاصة وعامة لتبرئة جان كالاس. من خلال إظهار التحيز والتعصب الكاثوليكي في رسالته. وفي عام 1765م، سَيُقِيلُ لويس الخامس عشر ملك فرنسا القاضي الرئيسي وأعادت محكمة أخرى محاكمة القضية من جديد، وسيتم تبرئة كالاس بعد وفاته، وتعويض أسرته بمبلغ 36 ألف فرنك فرنسي أنذاك، هذا بإختصار سياق "رسالة في التسامح" لفولتير والذي يختلف عن سياق لوك.

الثالثة: رسالة في التسامح لديدرو، باللغة الفرنسية (Sur la tolérance et autres textes) والتي مع الأسف الشديد لم تترجم بعد إلى اللغة العربية عكس رسائل كل من لوك وفولتير، رغم أن عدد صفحاتها لا تتجاوز 110 صفحة، كتبها سنة 1760م قبيل رسالة فولتير، وتعرضت للتهميش حتى سيعاد التعرف عليها سنة 1968م بفرنسا وإعادة طبعها ونشرها من جديد، وكتبت الرسالة أيضاً في سياق فلسفة الأنوار ومهدت له، وكان الغرض منها أيضاً الحد من التعصب الديني الكنسي، هذه بإختصار شديد سياق نشر الرسالة.

نجري بمناسبة عيد الميلاد مونولوجا تقييميا حول عام 2024 من خلال معالجة مجموعة القضايا والمشاكل والازمات بطرح الأسئلة والاستفسارات والانتظارات والتوقعات الفكرية للسنة المقبلة 2025. لقد كان العام المنقضي عام التقدم التكنولوجي المتسارع وزمن التفكك الامبراطوري الامبريالي بامتياز ولكنه أيضا عام الحروب المدمرة وصعود اقصى اليمين المحافظ وتراجع اليسار والمبادئ الكونية والتنازلات القيمية المؤلمة.
1.ماهو أهم سؤال تقييمي يمكن ان يلخص مفهوميا ما جرى من أحداث حاسمة في سنة 2024؟
ما وقع في عام 2024 من أحداث تكنولوجية هامة وتغييرات سياسية حاسمة في المعمورة عامة وفي الوطن العربي بالخصوص قد يعجز الفكر الفلسفي المعاصر عن العثور عن المفاهيم المناسبة التي يمكنها التعبير عنها وقراءة التواريخ وصياغة التصورات. وذلك لأن هذه التغييرات مدمرة وكارثية ولأن الأحداث تبدو مرعبة ومزلزلة لكل المرجيعيات والأنساق ومنها ماهو طبيعي مناخي ومنها ماهو سياسي اقتصادي ومنها ماهو تاريخي ثقافي. وبالرغم من تزايد الحروب وتفاقمها في العالم والوطن العربي وفلسطين الجريحة الا أن الأزمة الصحية والتهديد البيئي والتغيرات المناخية وتراجع الموارد الغذائية والمائية والطاقوية للدول هو الذي يطرح نفسه بقوة على المشهد الاعلامي ويستدعي النقد والتأمل والتدبر. يبدو أننا في طور مغادرة زمن العولمة بعدما اكتوينا بنار توحشنا وفي اتجاه دخول عصر ميتا الحداثة البعدية ولقد شاركت بعض الباحثيين الايكولوجيين في التوصيف بأن البشرية تحيا في زمن الأنثربوسين.فكيف ستؤثر الفلسفة على التطور التكنولوجي بحيث تساعد البشرية على الرد على ظاهرة الأنثربوسين؟

 الموجود و الوجود

ثمة مقولة في الفلسفة الوجودية تذهب الى (ان الوجود يسبق الماهية) طبعا هنا المقصود بالوجود في العبارة هو الموجود الانساني الارضي وليس الوجود الميتافيزيقي المجرد المطلق كمفهوم. وخطأ العبارة الوجودية ان الموجود الانسان وجوده يرتبط بماهيته ارتباطا وثيقا لا فكاك منه ولا تمييز بينهما يدركهما العقل كموضوعين منفصلين. بمعنى لا الموجود الانسان يكون موضوعا منفصلا عن ماهيته التي هي الاخرى ليست موضوعا ايضا. بمعنى حسب تعبير سارتر الانسان كينونة مستقلة موحدة ليس موضوعا.

فالموجود ونعني به الانسان أينما وردت اللفظة في المقال وليس الانسان بالمفهوم الميتافيزيقي(وجودا) إنما يدرك الموجود بصفاته الخارجية فقط وليس بماهيته التصنيعية ذاتيا المحتجبة خلف تلك الصفات. والمقصود بالماهية المصنّعة انها مشروع بناء الموجود لماهيته او جوهره الخاص به.

ماهية الانسان تختلف عن ماهيات الاشياء فماهية الانسان ليست جوهرا ثابتا بل هي صيرورة مشروع بناء الذات من الخبرة التراكمية النوعية المكتسبة بالتجارب الذاتية للموجود. الموجود الذي يدرك ذاتيته كمتعين انطولوجي بكليته الكينونية الواحدة هو ذات موجودية بالصفات الخارجية المدركة والماهية معا. الماهية المدّخرة في كينونة الموجود الانسان هي سيرورة من تصنيع الذات لنفسها يقوم بها الفرد يتعذّر ادراكها لسببين الاول انها أي الماهية جوهر ذاتي فرداني استبطاني صرف والثاني انها صيرورة من البناءات الذاتية التي يقوم الفرد بها.

اللغة
من غير المعقول والمقبول ان تكون اللغة رصفا لكلمات خالية من قصدية المعنى. فتعبير العقل باللغة لا ينتج ما لامعنى له. قصدية المعنى باللغة سابقة على شكلها الانتظامي صوت وشكل حروفي دال على معنى ضمن كلمات. والعقل واللغة تبطل فاعليتهما التفكيرية الادراكية عندما لا يكون هناك موضوعا لهما.

شكل الحرف اللغوي هو خاصية رمزية نحوية ما لم تكتمل بخاصية الصوت الذي هو المعنى. ومتى ما اكتسب شكل الحرف دلالة الصوت الخاص به نجده يتحرر من الرمزية ليصبح دلالة معنى تجريدي.

اشار جون سيرل فيلسوف العقل واللغة الامريكي الى تراتيبية علاقة ارتباط العقل باللغة بقوله هما يتوجهان الى الاشياء معا. العقل يتمثل الشيء ويقصده بالتزامن مع استحضار اللغة له. اي في التعبير عنه. ويعتبر جون سيرل هذا التزامن بين العقل واللغة تزامنا (آنيا).

في مداخلة مع هذه العبارة لجون سيرل أجد حقيقة اللغة غير الظاهراتية هي انها (لازمانية). ليس في إعتماد أن الآنية لحظة وقتية منحلة في تحقيب الزمن الارضي الى ماض وحاضر ومستقبل. (الآنية) حاضرا هي لحظة لا زمنية كما اشار ارسطو لذلك.

بل واذهب اكثر أن اللغة لازمانية لانها تعيش زمانا لا نهائيا ازليا غير محدود بحدود ادراكية ولا يقبل القسمة على نفسه او التجزيء. فالزمن واحد أينما وجد شيء في الكون يلازمه وليس ملازمة وقتية في الطبيعة الارضية وفي عالمنا الخارجي. عليه فأن الآنية لا تدرك بغير زمانية مغايرة لها حتى وإن كانت هي في حالة سيرورة من انحلال انتقالي من الحاضر كتحقيب وقتي الى سيرورة خارج الزمن النسبي الارضي.

تساؤلات تمهيدية

هل الانا (الذات) وهي ليست موضوعا ادراكيا من غير صاحبها ولا تمتلك ماهية خارج وصاية العقل المنفرد وليس الجمعي عليها في الدلالة المعرفية عن مختلف جوانب الحياة وحاجات الجسم. هل الذات حقيقتها الوعي الادراكي الاستبطاني الداخلي كموجود قائم بذاته في ملازمة الجسم لها؟ ام الذات من خلال وعيها لذاتها ووعيها موضوعات العالم الخارجي والعالم الداخلي هي ادراك استبطاني عقلي – نفسي مشترك؟ هل الانا موجود يدرك من غيره أم هو خاصية انفرادية لدلالة وجودها المغاير للذوات الاخرى ومع الاشياء في خاصيتها التفكيرية المجردة؟ أم الانا الذات موجود انطولوجي من خلال تعالقه بالشخصية الهوياتية للفرد تدخل في علاقة تجريد تواصلي مع الآخر ولا تكون موضوعا له على اعتبار الانا ماهيتها المتفردة هي مرجعية العقل المفكر لفرد؟ هل وعي الذات كتجريد إرادي سلوكي فاعل يرتبط بالاستشعارات والاحاسيس الجسمية والنفسية خارج وداخل الجسم في توليفة واحدة.؟ هل يمكننا فصل الذات عن الانا كما هو حال الافتراضية التي تذهب  فصل الفكر عن اللغة او فصل الشكل عن المضمون او فصل الصفات الخارجية عن الجوهر؟ هل يوجد عضو بايولوجي مثل جسم الانسان ينوب عن تمثيله الذات كما يذهب له فيلسوف الوجودية جبرييل مارسيل؟ هل من المتاح أن تنفصل الذات عن الجسم في علاقتها بعالمي الانسان الخارجي والداخلي الاستبطاني وحتى العالم الخيالي؟ الانا والانا الاعلى والهو تراتيبية فرويدية لتجليات الذات النفسية السلوكية حسب حاجة الشعور واللاشعور. من البديهي الانا التي هي الذات التي تعي وجودها بالمغايرة الموجودية مع غيرها من الاشياء والموضوعات كتفكير تجريدي تختص به الذات دون غيرها. يذكر دي بيران (اخطاء الميتافيزيقيين الذين يخلطون بين الانا التي هي الذات النسبية القائمة بالمعرفة وبين النفس التي هي موضوع مطلق للاعتقاد) 1. هذه واحدة من الخلط الذي وقع به جبرييل فيلسوف الوجودية كما سيتوضح معنا بهذه الورقة. فالذات والنفس كلاهما موضوعان مطلقان للاعتقاد.