"العناية الجنائزيّة ، واختيار المدافن، وموكب مأتمّي بهيج، أقل ضرورة لسلام الموتى منه من تعزية الأحياء" أوغسطينوس St Augustin, La cité de Dieu 1,12[1]
"ان الواقع هو طعام قبل كل شيء"[2] باشلار
الكلمات المفتاحية: مآدب المآتم – طقوس الانتقال - استئناس الموت – التبادل الرمزي –– الروابط الاجتماعيّة – المخيّال الجماعي - التخاصصية
تقديم عام:
لا تنحصر مسألة الأطعمة فيما هو طبيعي وبيولوجي فحسب بل هي ممارسة ثقافية وذات دلالة سيمائية ورمزية اكتسبها الانسان لحظة "الأكل من الشجرة"[3] فمن لحظة خروجه من الجنّة إلى حين لحظة جوعه وبحثه عن سدّ رمقه، بدأ في اكتشاف النبات وتعلّم قطف الثّمار والقنص والصيد (برا وبحرا وجوا)، وتسمّى هذه المرحلة من تاريخ البشرية بمرحلة القطّافين الصيّادين (Les pécheurs cueilleurs ). ومنذئذ تفنّن في إعداد المطبخ بحسب مراحل تطوره لأدوات الطبخ واستعمالاتها وفق ما اكتسبه من أنساق الثقافة وأنظمة الاجتماع[4] والتي حدّدت سلوكه الغذائي ونمطته وفق حاجياته، من أجل سدّ رمقه بما توفّره بيئته، وذلك في إطار توافق مع اعتقاداته ومعيشه اليومي من جهة، ومع المقدس والمتخيّل من جهة أخرى (بما فيه من سرديّة وردت عن طعام أهل الجنّة او عن طعام الميت[5]). ولقد اتضح ذلك أساسا في طقوس الانتقال/العبور (الولادة-الزواج-الموت)[6] فتتمايز حينئذ استعمالات الأطعمة بحسب تنوع الأديان (حلال/حرام) وتختلف بحسب الأمكنة والأزمنة وتعكس تفاوتا طبقيا بين الأفراد والجماعات والأمم. وهذه اللّامساواة أمام الحق في الغذاء، مثلت تهديدا للأمن الغذائي فنشبت حروب لم تتوقف. وآلت إلى نزف ثروات. ومايزال الاستعمار ينهب خيرات الشعوب، مما أدى إلى تحوّلات في السلوكيات الغذائية. وانتقلنا من التدبير الاقتصادي المنزلي الممركز حول ذاته، إلى التبذير التّابع لاقتصاد السوق. (انتقال من منتوجات بيولوجية بمورثات أصلية إلى معلبات بمورثات هجينة -من الاكتفاء الذاتي بالضروريات إلى التبعية للكماليات- ممن يمتلك فائض اللّذات إلى غيره الذي يعاني فائض الحرمان- ممن يموت بالتخمة إلى غيره ممّن يموت من الجوع-فالاستعمار الفرنسي مثلا في تونس[7] أرسى نمطا استهلاكيا وعادات ذوقية غذائية جديدة (فكّكت ثقافة التدبير المنزلي واستبدلها باقتصاد السوق الاستهلاكي. فحول استعمالات الأطعمة المحليّة والصحيّة إلى سلوك غذائي سريع ومضرّ بالصحة وفاقد للمعنى). مما ساهم في تدمير وحدة الربط بين الأطعمة والأنظمة الرمزية الخصوصية، أي هويّة الطعام التونسي، واستبدالها بقيم مستوردة باسم الحداثة. وحدَّثت أساليب المطبخ، مما جعل ما عُرف بالجلاء الزراعي لم يكن جلاء في المطبخ التونسي ولا حفاظا على أمّننا الغذائي (لأنّ رهان الطعام هويّة شعب وتنمية مستدامة). لكن ما هو مثير للانتباه أن المجتمع في ظلّ الاحتفالات الدينية يستعيد ما يميزه عن غيره، ويجعله يتشبث بعاداته وتقاليده، مما يعني أنّ الطقوس الجماعية للطعام هي مناسبة يحرص فيها المجتمع على أن يبقى وفيا لخصوصيته ويستهلك التقليدي من الأشياء، ذلك أن طعام المناسبات الدينية أو الاحتفالات العائليّة ما هي إلاّ " تعابير هوية تعزز الشعور بالانتماء وتعيد تشكيل التضامن وليس طابعها الإلزامي مجرد مسرحية وإنما هو شكل من أشكال الخطاب الذي يتوجه المجتمع به إلى نفسه."[8] ويمكن لنا أن ندرج مآدب المآتم في هذا السياق الذي يحتاج منا تفكيرا وتدقيقا في كيفية عيش المجتمع التونسي الحالي لطقوسه من أجل فهم مدى محافظته على خصوصيته في الحداد والاحتفاء بالميت في ظلّ تحولات اجتماعيّة متسارعة مسّت كلّ مظاهر حياته.
رهانات البحث (أو فرضياته)
نسعى في هذا المبحث إلى تقديم فرضيات عمل من أبرزها:
- مآدب المآتم ظاهرة اجتماعيّة كليّة، تتخلّل أنشطة المجتمع اليوميّة كلّها اجتماعيّا واقتصاديّا وثقافيّا ودينيا والموروث الاسطوري والرمزي والخيالي.
- تقام مآدب المآتم لمواجهة الخوف من الموت و"الرغبة في الخلود"[9] وهو ما يفسّر لنا أسباب استمراريّة ممارسة طقس الانتقال الجنائزيّ (الفرق-الاربعينية – والحول) وتواصل العادات والتقاليد أمام تحوّلات مسّت إلى حدّ ما أشكال الصلة التي يقيمها المجتمع مع الموت والموتى.
- في ظلّ الأزمات الحضرية (بناءات ضيقة وشاهقة) وماديّة صعبة وانتشار وباء كورونا عرفت الرموز تهرؤا. وتراجعت القدرة التأثيريّة للقيم، مما أضعف قدرة الجماعات على مواجهة قلق الموت وتحديّات وفق الفردانية، بما يعني الابتعاد عن رهانات العائلة في اعادة تشكيل بُناها المرجعيّة الكُليّة. [10]
- أثّرت المفاهيم الحداثية في السلوك الجنائزي والممارسات الطقسيّة فلم يعد رهان الاقتصاد في الإنتاج فحسب، بل تمّ إدماج الرمزية والمقدسّ في السلوك الاستهلاكي. وخلق حاجات جديدة، ممّا أنتج استلابا واغترابا عن الثقافة الأصيلة، والانتقال بالتالي من الاستهلاك المنزلي التدبيري (تبادل الاقتصاد الرمزي للموت) إلى الاستهلاك السوقي التبذيري.
تحديد مشكلة البحث، وأهدافه، وأهميته.
يعتبر الطعام "ظاهرة اجتماعيّة كليّة" لا يجب أن ندرسها في حدّ ذاتها من حيث مكونات الطّعام ومذاقه فحسب، وإنما في صلته بالتصوّرات والممارسات الطقوسية والمتخيّل الجماعي كي نختبر علاقته بالتبادل الاقتصادي الرمزي. لهذا سنحاول أن نركّز اهتمامنا على مسألة مآدب المأتم وذلك بهدف فهم العلاقة بين الإطعام وطقس الانتقال المتعلق بالموت فحسب، لإبراز خصوصيتة في ظلّ التحولات الاجتماعية:
إلى أي مدى حافظ المجتمع التونسي على خصوصيته في طقوس الحداد والاحتفاء بالميت في ظلّ تحولات اجتماعيّة مسّت كلّ مظاهر حياته؟
ولتوضيح هذه الإشكالية أكثر نطرح الأسئلة الفرعيّة التالية:
لماذا رغم حرص الاسلام على مقاومة العادات والأعراف التقليدية من عصور غابرة أو الدخيلة عنه –خاصة في ظلّ الاستعارة في ظلّ العولمة- لا يزال هذا الموروث المحلي أو الوافد محافظا على حضوره في طقوس مآدب المآتم ويؤثر بشكل أو بآخر؟ ألم نلاحظ في السنوات الأخيرة أن الأطعمة في مناسبات الموت أصبحت تقترب من ولائم الأعراس بأتمّ معنى الكلمة. (كما لو أن المجتمع يتّخذ من ذلك آلية من بين آليات نفي الموت أو تجاهله)؟ أليست التنشئة الاجتماعية على كيفية الاحتفاء بالميت، قد انحرفت على هدفها لأنّها تأثرت بالقيم الاستهلاكية، وتخلّت أغلب العائلات بالتالي عن بيداغوجية تصريف المخاوف في الأزمات، والتي كانت هي وسائلها في استئناس الموت وأنسنته ؟ هل بالإمكان استرجاع تنشيط الأنظمة الرمزية للأطعمة أمام تعبها وتهرئها، وتراجع طقوسها المطمئنة التي كانت وظيفتها الأساسية هي المواساة والتضامن ومساعدة أهل الميت لاستئناف حياتهم الطبيعية وتقوية غريزة الحياة لديهم في ظلّ موت لم يعد يتم في البيت وبين الأهل وإنما يتم في أروقة المستشفيات بمتاعبها وتكاليفها الباهضة؟ ولكن أيضا هل يستطيع المجتمع اليوم تقديم البدائل فعلا عندما ينادي البعض بضرورة نزع القداسة عن مآدب المآتم من خلال روح الدّنْيَوة (sécularisation) مما عقّد عمل الحداد، فيتحول بذلك إلى سوداوية على حد عبارة فرويد فتنقلب الحياة بلا معنى؟
منهجية البحث
إنّ الظاهرة المدروسة تتعلّق بإشكالية مآدب المآتم اجتماعيا، ويجب أن نوضّح هل نقصد من وراء ذلك تجربة جماعية أم تجربة فردية؟ لأنّ الأمر يختلف ففي حين تتنزّل التجربة الفرديّة في إطار ما يمكن تسميته بسكولوجيا الموت الفردي، تُعْنَى التجربة الاجتماعية بالتمثّلات الجماعية لظاهرة الموت وذلك يعني مجموع القيم والشعور المشترك والاحتفاء بها من خلال فضاءات معيّنة (المقبرة، المسجد، المنزل، البيت الحرام) ومن خلال أوقات محددة (اليوم، السنّ، الحداد) والتي في جملتها ردّ عن أسى الموت La désolation. وبهذا يمكننا تحديد شبكة تحليلUne grille d’analyse حيث التشابك المجالي Le spatial والزمني Le temporel من جهة وما تجمعه ظاهرة الموت من أبعاد مختلفة من جهة ثانية.
وبما أنّ دراسة مآدب المآتم وفهم معانيها في سياقها الاجتماعي، تتطلب البحث عن معناها من خلال التعبيرات العاميّة وبيان كثافة ذلك إذ أنّه يحتوي على ما تراكم تاريخيّا في المتخيّل الجماعي وذلك بالعودة إلى أصوله الأوليّة وما بلغه كمفهوم من تجلّيات في الممارسات الجنائزية الجماعية لا في الحقل الديني فحسب بل أيضا في الحياة اليومية ونسيجها. ولهذا فإنّ الباحث في العلوم الاجتماعية يدرس"عالما يتشكل من خلال المعاني التي تمثل بالنسبة إليه وسيلة لفهم الواقع الاجتماعي"[11]. وبالتّالي فإنّ فهم الظواهر الدينية ومن بينها طقوس الموت يتم من خلال المنهج الفينومينولوجي La méthode phénoménologique الذي "يشكّل أحد مناهج علم الاجتماع"[12] والذي يتمثل "في فهم الظاهرة بالتجربة المعاشة ووصفها" بحيث "لا نخسر الأشياء ولا الذات"[13]، باعتبار أن معاينة الواقعة الاجتماعية تقتضي أن يكون الباحث طرفا مهما فيها، حاول الابتعاد عنها أو "ردّ العلاقات الاجتماعية إلى وقائع طبيعية أو إلى "أشياء" (دوركايم)[14]، فينبغي أن نصحّح العلاقات البين-شخصية Relations inters-subjective بين العملاء وأن نشكلّ منها حوافز نموذجية (عقلية أو عاطفية). فالفلسفة الظواهرية (هوسرل Husserl) بجعلها المعيش الهادف Vécu intentional والتحليل النقدي للمواقف الطبيعية المحكومة بالحتميّة محور تفكيرها، قدّمت عناصر تفكير لعلم الاجتماع الظواهري"[15]، وفي ذلك إشارة إلى منهج ماكس فيبر الذي يعتمد من جهة على التفسير الذي " يلجأ إلى المناهج الفكرية التي يمكن أن تقارن بمناهج علوم الطبيعة"، ومن جهة أخرى على الفهم الذي "يفرض نفسه في النطاق حيث يحمل الفرد الإنساني معنى ويصبغ دلالة ذاتية على عمله"[16]. إنّ أهم ممثل للتوّجه الفينومينولوجي في علم الاجتماع هو Schutz. A الذي حاول "تفسير تشكل الظواهر الاجتماعية من خلال الناس "العاديين"[17] ولقد حاول تشكيل الظواهرية من "عالم الحياة أو من "عالم التجربة المعيشة لتحليل عالم الحياة اليومية، كما أبرز تجربة "النحن" Nous، تجربة العالم المألوفة بالمقارنة مع العالم الاجتماعي ودلالاته المتشكّلة من اللغات والرموز والمؤسسات"[18].
لهذا عندما يتخذ الباحث مجتمعه موضوع دراسته فإنّه يدخل في إطار ثقافي معيّن، ويندمج في نفس نظام القيم والتمثّلات، فمن الممكن حينئذ هنا الاستناد إلى حشد من الأفكار المعتبرة كبديهيات إما من طرف المتكلمين أو من طرف الذين يتوّجه إليهم بالكلام، وهذه البديهيات ليست مثبتة علميا لهذه الدرجة. وليس علينا إلاّ أن نرى عدد الآراء الخرقاء التي تمر في لحظة معينة في كلام هؤلاء وأولئك، دون أي تمحيص، بل فقط لأنّها دارجة. ولا يشعر المرء بالحاجة إلى التحقّق في كلّ مرة من اتساق المجموعة، إذ لا طائل من التّفكير بالأمر لأنّه باد للعيان. وينتج عن ذلك أن تصبح لديه معاينة أقل وضوحا بكثير للتبعات الأخلاقية والايديولوجية لعمله"[19] هذا الاحراج المنهجي هو الذي ينبثق في أول وهلة أمامنا لا بد من أخذه بعين الاعتبار، والوعي بصعوبة مهمة هذا البعض، مما يساعد على تجاوز هذه المحاذير والالتزام بالموضوعية والحيادية والتقيّد بالمنهج الملتزم بعيدا عن الطرق المنفلتة. فالملاحظات الميدانية المباشرة لمظاهر مآدب المأتم، أداة فعالة لفهم ما هو ثابت وما هو متحوّل لكي نستطيع أن نضع ذلك كلّه في علاقة بالأنساق الثقافية والرمزية للهوية الغذائية والأشكال الجديدة التي بدأت تؤثر على السلوك الغذائي المأتمي بقصد فهم هذه الظاهرة الاجتماعيّة الكليّة. لفهم الممارسات في طعام الجنائز وهو عمل متوفر باعتبار اننا نحن جزء من المجتمع نحضر مثل هذه المناسبات.
فالطقوس يمكن ملاحظتها من خلال هذه "الأفعال الاجتماعية"[20] التي تكون مقننة وتخضع إلى قواعد لها في أغلب الأحيان بعد رمزي. وهي لا تخصّ الميدان الديني (احتفالات المعتقد) وإنّما تخصّ أفعالا عديدة تتعلّق بالحياة الجماعية (مهرجانات واحتفالات عامة) وهي تساعد على الاندماج داخل المجتمع، وبعض الطقوس هي أفعال مكوّنة من خلال حالة جديدة ومكانة جديدة كطقوس العبور وطقوس التلقين.
وهذا التمشي في فهم مقاصد الفاعلين يكون وفق المنهجية الكيفية اذ حاولنا اعتماد المقاربة المفهومية ووضع المواضيع في سياقاتها التاريخية والاعتماد على الملاحظة بالمشاركة وجمع بعض الشهادات التي يقدمها بعض الذين نتقابل معهم ثم تصنيف المواقف والممارسات الطقوسية في علاقة بالوليمة الجنائزيّة في سياق تاريخي ونسق ثقافي وديني وقيمي ومدني في مجتمع يتغير باستمرار.
ففي علم الاجتماع إذن يَعْتبر الباحث هو الشخص الذي "يتنقل ويسأل من يعترضه فيسمعه ويتعلم منه"[21]، لهذا يجد الباحث نفسه طرفا في الموضوع الذي يدرسه[22] وتكتسي الملاحظة المباشرة هنا أهميّة لأنّها "تسجل السلوكات في لحظة إنتاجها دون وسائط كالوثيقة والشواهد"[23].أي يمكنه مراقبة أهل الميت ويلاحظ مشيّعي الجنائز ولباسهم وحركاتهم وتصرفاتهم. كما يمكن ملاحظة اجتماع عائلي عند وفاة أحد أفراد العائلة و(كلّ واحد يمكن أن يعتبرنا كقريب) أو يكتفي بالذاكرة فحسب[24] وتعد هذه طريقة في جمع المعلومات تساعده على التأويل[25] فالباحث هنا يلاحظ بالمشاركة ويستمع لاستعمالات اللغة لأهل الميت والمعزين أثناء مآدب المآتم لا بلّ فإن الثورة المعلوماتية أتاحت اليوم كما مهولا من تسجيلات حية موثقة للمناسبات الجنائزيّة والغاية من كلّ ذلك هو تحليل محتوى البعض منها بعد الـتأكّد من صحة مصدرها بغاية فهم التحولات التي اثرت في مضامين طقوس مآدب المآتم كما تمكننا من التصنيف والتنميط لهذه الممارسات الطقوسية الغذائية من خلال استحضار مضامين هذه الوسائط المتعدّدة.
وبما أننا نقف في أغلب الأحيان إزاء "ثقافة افتراضية" تعد فيها "الانترنت في وقتنا الحاضر جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية " فإننا حاولنا الاعتماد على الاثنوغرافيا الالكترونية باعتبارها وسيلة بحث لدراسة التفاعل، والاتصال"[26] ويتم "التفاعل في غرف الدردشة، أو عبر نظم تخزين وحفظ البيانات على الكومبيوتر أو من خلال البريد الإلكتروني أو بواسطة التليفونات المحمولة وفي مرافق التعليم الافتراضي بحيث يمكن اعتماد"طرق البحث البصرية كتقنيات بحث– كالصور الفوتوغرافية وتحليلها، وأشرطة الفيديو، والفيلم السينمائي، والصور الايضاحية، والاعلانات والتليفوزيون والانترنت– استخادمها من قبل بعض علماء الاجتماع ... وذلك لتكملة الانتفاع بطرق البحث الكيفية التقليدية كالمقابلة."[27] لهذا وثقنا التّسجيلات والصّور التي نعتبرها هامة وتحتاج منا تحليلا لمحتواها والتعليقات حولها في مواقع التواصل الاجتماعي ونريد أن نشر إلى أنّ " تحليل الخطاب "يُستخدم أساسا في البحث الكيفي، وهو يرتكز نظريا على أساس النزعة التصورية الاجتماعيّة. والنزعة التصورية الاجتماعية نظرية معقدّة، كما أننا، ورغم أنّ الحيز المتاح لهذه الفقرة لا يسمح بمناقشة هذا المصطلح بالتفصيل،" فإننا نريد أن نبرز المسلمات الأساسية، وهي أن الحقيقة تصور اجتماعي أن الأفراد لهم معتقدات وقيم يشترك الباحث فيها معهم.[28]
التصوّر المفاهيمي
تعريف مآدب[29] المآتم
مآدب المآتم هي الوليمة لإطعام الناس عند موت أحد الأشخاص عند الفرق والأربعينية وبعد مرور سنة على الوفاة فهو طعام مخصوص ويعدّ من أبرز طقوس الانتقال التي لا يزال المجتمع التونسي يعطيها أهميّة كبرى رغم التغيرات الاجتماعية التي أثرت في التصورات والممارسات الجماعيّة. "لا يستقيم مأتم إلاّ بطعام يُنصب للناس يُنير وجه الميت فيرتاح في القبر وقد وقد رأى الناس اشباعا في المأتم الذي لوفاته التأم.[30]
ظاهرة اجتماعية كليّة :
مآدب المآتم ظاهرة اجتماعية كليّة لأنّها تندرج ضمن تاريخ الأديان، كما أنّ لها صلة بفنّ المطبخ وبالأبعاد الرمزيّة والجمالية Esthétique التي يتضمنها: من اختيار الأشكال والألوان وطريق عرضه ومسّرحته، وهذا ما لم يلق بعد القيمة التي يستحقها من قبل الباحثين فهو "ميدان بكر كليّ"[31]. كما أنّ كلّ ما يتعلق بالرموز والإشارات والعلامات في طقوس مآدب المآتم والممارسات الجنائزية يحتاج إلى تحليل وتفكيك لما تتضمنه العلامات وهو مبحث سيمائي بامتياز يعود إلى ما يضمنه المجتمع من معاني للّغة المستعملة في الطقوس الجنائزيّة. وكلّ ظاهرة اجتماعية كليّة لها ثلاثة أبعاد:
- البعد الاجتماعي الذي يتلاقى مع الأنواع المتعدّدة السنكرونية.
- البعد التاريخي أو دياكروني.
- البعد الفيزيو-بسكولوجي.
بهذا المعنى يلتقي الفردي بالاجتماعي والفيزيولوجي بالبسيكولوجي وسائر الأنماط الاجتماعية القانونية والاقتصادية والجماليّة والدينية، وكذلك مختلف لحظات التاريخ الفردي كالولادة والطفولة والتربية والمراهقة والزواج ومختلف أشكال التعبير من الظواهر الفيزيولوجية مثل النعاس والإفراز والتباطؤ والتسارع إلى المقولات اللّاواعية والتمثّلات الواعية، فردية كانت أو جماعية، لهذا فإنّ "الفهم المناسب للواقعة الاجتماعية لا بدّ من ضبطها كليّا بمعنى خارجي كشيء ولكنه في نفس الوقت جزء مدمج في الضبط الذاتي (الواعي واللاواعي)"[32] ففي الظاهرة الاجتماعية لا ينفصل البعد التاريخي عن البعد السيكولوجي وتلاقيهما هو أساس معرفة الكليّة لأي واقعة اجتماعية ف"الظاهرة الاجتماعية الكليّة" تمثّل الواقع، لأنّ"الحياة الاجتماعية نسق حيث أن كلّ الخصائص مضبوطة ومنظمة ومترابطة في مختلف المستويات"[33].
طقوس العبور: Les rites de passage تعتبر الوفاة تحوّلا في وضع الفرد من الانتقال من عالم الأحياء إلى عالم الأموات إذ يترتّب عنها ردود أفعال تجاه الاضطراب أو الخسارة التي تلحق بالمجموعة من جراء فقدانه. وتمرّ طقوس العبور بثلاث مراحل أساسية وهي طقوس العزل:Les rites de séparation أي عزل المتوفّي والحادّين عن بقية المجموعة. وطقوس الهامش: Les rites de marges تُؤَدَّى في الفترة الانتقالية التي تفصل عادة بين تجهيز الميّت وتطهيره وجنازته النهائيّة أو بين حداد الأحياء وانتهائهم منه. وطقوس الإدماج: Les rites d’agrégation (ou de réintégration) أي إدماج الميّت في مجتمع الأموات وإدماج الأحياء في حياتهم العاديّة. وتوافق هذه المراحل الثلاثة ما يجرى في الممارسات الجنائزية في تونس. فالميت يعزل ويكفّن كما يحدّ الأقرباء و من ثمّ يدمج الميت في مجتمع الأموات بالصلاة عليه ودفنه إلاّ أن مرحلة الهامش تتخذ أبعاد أخرى حيث أن المرأة مثلا تحد ثلاثة أيام على غير الزوج وأربعة أشهر وعشرا على زوجها.[34]
الاطار النظري لدراسة ظاهرة مآدب المآتم
"يلزم عالم الأدلة –شأن عالم اللغة- دخول "مطبخ المعنى"...لقد اصبحت الدلالة طريقة العالم المعاصر في التفكير[35]رولان بارط
"المطبخ يمثّل، حقّا، شكلا من النّشاط الإنساني الكوني إلى جانب اللّغة "[36] كلود ليفي ستراوس
يقيم المجتمع علاقات مع مجتمع الأموات إن جاز لنا استعارة عبارة Urbain Jean-Didier الذي بَيَّنَ أنّه ما هو إلاّ "نتاجا أسطوريّا لنشاط ينجزه الأحياء وإنّ إعادة انتاج الأموات مثل جمعpeuple مندمج في عالمنا الاجتماعي يكون من خلال المتخيّل الجماعي"[37] وبالتالي فهو موضوع مغر للدراسة خاصة في مسألة مآدب المآتم الذي لا يزال يثير الخيال الانساني في علاقة بلغز الموت. غير أن ما هو مؤسف أنّ الدراسات حول الموت لا تزال غير مرحب بها في أقسام العلوم الانسانيّة بتونس، رغم ان تملك الحياة لن يكون إلاّ بفهم الموت هذا الموت "اللامفكر فيه"/المسكوت عنه على عكس ما هو موجد لدى الجامعات الغربية التي كان الموت يعدّ"محرما" جديدا حسب عبارة Michel Vovelle عوّض المحرّم القديم الجنس ليصبح كلمة "مخلة بالحياء، أو قذرة والتي لا يمكن الحديث عنها"[38] وفي هذا السيّاق "أعيد اكتشاف" الموت في السنوات الأخيرة في الغرب فظهر علم مستقل هو "الثاناتولوجي thanatology أو علم الموت -اشتقّ من الكلمة الإغريقية "ثاناتوس thanatos التي تعني الموت"[39]- وذلك من قبل أطباء نظروا إليه في بعده البيولوجي والفيزيولوجي، وظهرت محاولات ترى أنّه لا معنى للموت إلاّ في علاقته بالثقافة والدين وضمن سياق المعاني والدلالات الحافة به لأنّه يحمل دلالة و"ينتمي إلى السلوك الإنساني"[40]
لقد أشار مارسال موس في سياق دراستما لمآدب المآتم أن الباحثون كثيرا ما يتغافلون عن دراسة الاستهلاك الغذائي في حين ان العمل في هذا المجال يتطلب الاهتمام [41] وتحدث أيضا كما أسماه ب"ايديولوجيا التغذية"[42] Idéologie de la nourriture التي تتمثل في العلاقات التي يقيمها الانسان بين الغذاء والدين والسحر ويتم ربطه بالطوطمية، السن، الجنس والعلاقات مع الموتى ومع الأحياء[43] وهذا المجال لا يمكن من فهمه إلاّ باستناد على تعدد التخاصصية ومن ضمنها في البداية أنثروبولوجيا الموت التي يتمثل موضوعها في "الملاحظة والتحليل الاجتماعي والرمزي للطقوس التي ينظمها الأحياء لمرافقة فقيدهم، والاعتناء بتجهيز الجثّة للدفن. كما أنّها تدرس مختلف المفاهيم حول الموت المتخيّل لإعطائه معنى" كما يضيف إنّها "في بعض الأحيان مرتبطة بالنظريات الخصوصية حول الآخرة والروح والأفكار والحلم ومستقبل الأموات (التقمّص، البحث)، كما تدرس العلاقات التي تفترضها مختلف المجتمعات بين الأحياء والأموات"[44]. لهذا فإن دراسة مسألة مآدب المآتم في بعدها الأنثروبولوجي يتم من خلال فهم التمثّلات والمعتقدات والممارسات التي أنتجتها المجموعة لمجابهة موت أحد أفرادها على استئناس الموت وإعطائه بعدا تضامنيا. كما يوّفر مجالا لدراسة الرموز والأساطير التي لها قيمة في البحث عن المخيال الرمزي حول الموت.
ومن الاشارات الهامة التي لها علاقة بمسألة مآدب المآتم ما أشار إليه E. Durkheim اميل دوركايم في كتابه "الأشكال الأوّليّة للحياة الدينية" من المفاهيم تعتبر عنصرا أساسيّا في فهم الظواهر الدينية والاجتماعية والطقوس، حيث اعتنى بما أسماه بالطقوس التكفيرية وغموض مفهوم المقدّس[45]. لهذا نجد احتفالات سعيدة وأخرى حزينة des fêtes tristes. وتعتبر هذه الطقوس ذات سمات أكثر تفرّدا، مقدما لها وصفا وتفسيرا. وهي طقوس تقوم على المنع والإلزام كعدم ذكر إسم الميت وعزل أهل الميت عن الأحياء كما توفّر فرصة للتقارب والتواصل و خلق التضامن الاجتماعي. ومن خلال الحداد حاول E. Durkheim أن يفهم بطريقة أكثر حساسيّة طبيعة هذه القوّة الجماعية التي تكوّنها التمثّلات الجماعية لأنّ أصل الحداد هو تعبير عن النقص الذي تحسّه المجموعة عندما تفتقد أحد عناصرها مما يعنى طبيعة الرابطة الاجتماعية حيث هي بمثابة قطعة عجائبية يتمّ تمثّلها عبر الفهم الحميمي الذي يحوّل الألم الفردي ويعيد الرفاهة الجماعي[46] ومن هنا إذا ما لاحظنا "التهافت على المأكول والمشروب" فإن ذلك من خاصية الاحتفال الجنائزي إذ يكون "على المرء أن يقبل على كلّ ما تلذّه نفسه وتشتهيه وأن يعبّ منه حتّى التخمة والمرض لأنّ "تلك هي سنة الاحتفال" ويحقّ لنا القول على غرار قول روجيه كايوا ارتبط ذلك ارتباطا وثيقا بفكرة المؤن والمدخرات التي يتم الالتجاء إليها للاستهلاك والإنفاق كم "سنرى، على سبيل التباهي وحسب، وانما تبذيرها وتبديدها من أدنى تحفظّ اللذان هما "من أشكال الإفراط، يدخلان حكما في ماهية الاحتفال"[47]كما أبرز ذلك روجيه كايوا
كما اشار ا.ايفنز-برتشارد،الى "مفهوم الرواسب عند باريتو تلك "العناصر المشتركة بين أشكال الفكر والعمل الذي 265 ينتمي طابعها الموحّد إلى السلوك والكلام، في حين أن المشاعر هي مفاهيم هذين التجريدين "فالراسب هو إذن تجريد مستخلص من معاينة السلوك والشعور هو تجريد على مستوى أرفع – أنّه فرضية مثال ذلك منذ القدم والبشر يولمون الولائم لكنهم يبررون ولائمهم هذه بأسباب مختلفة. ف"تحولت الولائم التي تقام على شرف الموات إلى ولائم تقام على شرف القديسين ثم تحولت اخيرا الى ولائم تذكارية. ان الشكل يتغير لكن الولائم باقية" فالوليمة حسب رأي باريتو، هي الراسب أما علّة القيام بها فهي تحوير. إن ما يشكل الراسب ليس هو النحو أو ذاك من اولام الولائم بل مجرد اولامها في كل زمان ومكان. فالموقف الثابت الكامن وراء هذا العنصر الثابت الذي يدفع إلى اقامة الولائم هو ما يسميه شعورا. ولكن بما أننا نعبّر عن أنفسنا بأسلوب مختصر ومبسط، بأسلوب مقنّن فأن بوسعنا أن نستعمل كلمة شعور للدلالة على عملية التجريد وعلى المفهوم الذي يقابلها في الان نفسه. اما اشتقاقات باريتو فهي بالمعنى الفعلي عناصر الفعل الثابتة. ولكن لما كانت هذه الكلمة للدلالة على التعليلات التي يفسر البشر بها سلوكهم. فالشعور يتعبّر اذن بالفعل بالتفسير الذي يعطى لهذا الفعل لأن البشر ليسوا بحاجة فقط للفعل بل بحاجة أيضا لتعليل وتبرير ما يفعلونه وهم قلما يهتمون بأن تكون حججهم ذات معنى او لا معنى لها[48].
أليس كما أشار ذلك رولان بارث في مطبخ المعنى[49] أن الطبّق المهيّا" مع اللباس والايماءات وغيرها تحتاج منا "قراءات "على قدر كبير من الأهميّة في حياتنا. إنّها تتضمن قيما مجتمعية، أخلاقيّة وأدلوجية كثيرة لا بدّ للأحاطة بها من تفكير منّظم" ويتساءل بارت سيميولوجيا هل هي علم بالرسائل المجتمعيّة. الرسائل الثقافية؟ أم أن عنيتنا بكل ما هو "استعراضي" ممسرح في العالم"[50] فالمهمة الرئيسية تكمن – بتعبير صوسير- في دراسة حياة الأدلة داخل الحياة المجتمعية وبالتالي بالنتيجة اعادة تكوين الأنظمة الدلائلية لأشياء (ألبسة، أطعمة، صور، طقوس، رسميات/ موسيقى ألخ وهي مهمة ينبغي انجازها"[51]
ثمة في مآدب المآتم علامات ذوقية تحيلنا على تجاوز ما اكتفي فيه كلود لفي ستروس بالحديث ما هو من الطبيعة (الطعام المستهلك) إلى الثقافة (طعام مستهلك تستعمل فيه الوسائط ومطبوخ بواسطة النار) ومن في تحديد الوحدة الذوقية الدنيا الدالة: الذوقة Le gustéme بواسطة أنمطة تعاريضية داخل تصنيف المعطيات الذوقية (حلو،مالح نيء/مطبوخ، مشوي/مغلى...) باستثناء هاته الدراسات لا نعرف أية دراسة دواقية في الوقت الراهن، ولكن هناك طموح في أن السيميولوجيات ستتمكن من تنظير ووضع تركيب لأمثل للحمولة الاجتماعية والتقنية للذواقة كخطاب دال على مستويات متعددة: تقنية، ثقافية، عرقية وتاريخية إذا تحقق هذا فسيكون عملا عظيما"[52]
لهذا يمكن القول أن الغذاء غالبا يحاط "بالمحرمات ويكاد يخضع تحضير الطعام وتقديمة لنظام من الاصطلاحات الصارمة. فأن يرفض المدعوّ المقبلات هو إهانة تظهر علائمها عند الداعي. وتخلّد وظيفة الغذاء السيميائية في أعيادنا ومآدبنا الكبرى كما تحيا في عدد من المحرمات والاستعمات"[53]
مآدب المآتم في عادات التونسيين
نحاول في بداية الأمر أن نبحث في التسميّات المستعملة في المجتمع التونسي التقليدي حتّى نستطيع الوقوف عم تحول إما من حيث المحتوى او من حيث التسميّة ومتسائلين عن سبب عدم اندثار هذه العوائد التي أقرّ جميع الفقهاء بلا استثناء ببدعتها المنكرة[54] ومن بينها لم يثبت عن رسول الله ولا أحد من أصحابه أن أقاموا احتفالا لميت مطلقا بل ذلك بدعة منكرة حسب أجماع العلماء
"عشاء الميت" حيث أن هذه الكلمة لا تزال على ألسنة الأفراد وهي أنّه قد جرت العادة في تونس "أن أهل الميت لا يطبخون طعاما بل ولا يشعلون نارا ثلاث ليال بعد موته فيهدى لهم أقاربهم وأجوارهم قصاعا من الطعام لا طعامهم واطعام زوارهم المعزين"[55] كما نجد أنّه عندما يكون الميت مسبولا يضعون عند رأسه خبزا وماء ليتصدقوا به عند خروج النعش توزع الصدقات على الميت في المقبرة ويخرج يوم الدفن عشاء لحد الفقراء أو ثمن عشاء يسمى ب"تبريد الفأس" و"عشاء الميت" ومثله في الفرق الاول والثاني والزيارة والأربعين[56] وغلوق العام"[57]
"وفي كلّ ليلة جمعة وفي المواسم موسم عاشوراء والمولد و17 رجب و27 شعبان وفي شهر رمضان وفي العيد الكبير يذبح كبش ويتصدق على الميت يسمى قربان الميت اما الذي ليس له امكانيات مادية فيمكن ان يتصدق بما يقدر عليه "[58]
وهناك ما كان يسمى ب"هدمان الطنجرة" تكون عندما يموت احد أفراد العائلة فإن العائلة تتوقف عن الطبخ في المنزل لمدة ثلاث أيام إلا إذا كان الميت طفلا ويبعث الجيران والاقرباء غليهم الحساء و"العظم المروّب" والخبز والزيتون وفي الصباح يوفرون الحليب والعظم ويوم الفرق الأول يبعثون مثارد الكسكي والمقرونة والروز وان بقي طعاما يتم التصدق به على الفقراء" [59]
كما اشار محمد المرزوقي أيضا الى ما كان يسمى ب "الالفية" حيث يعمد أهل الميت على اقامة وليمة في يوم معين ويتجمع الشيوخ في منزل الميت فيقدم لهم الطعام وهو عادة من الكسكسي ويوزع عليهم اللحم إذا ما اتم من ترديد كلمة (لااله الا الله آلاف المرات يهدى ثوابها للميت" [60] بعد مرور الاربعينية على الوفاة نجد من بين العادات المعروفة في تونس هي ان اهل الميت يعدون طعام الكسكسي ويتم تقديمه لمرتادي المساجد او الجيران والطلب الدعوة بالرحم للميت
كانت عبارة "الفراق" تعني "إما فصل الضيوف (نهاية الحفل) أو فصل المتوفى (قبول وفاته) وهناك أيضا معنى آخر يعود إلى تقاليد الماضي عندما تكون المقابر في الجبال وأماكن بعيدة عن المنازل. وفي هذه الحالة وبعد الجنازة كان على الأقارب أو الأشخاص الآخرين أن يراقبوا القبر لمدة ثلاثة أيام خشية أن تبحث الحيوانات البرية عن الجثة. باللغة العربية "الفروق" تعني التقسيم/التوزيع للأعمال الخيرية في شكل وجبات تذكارية
في المآداب المآتم رمزيا يكون الميت حاضر بما يسمى عشاء الميت ولكنه وظيفته تكون في حماية الاحياء من عدوى الموت لأنّها كانت تجمع الأهل والأصدقاء والجيران في فعل جماعي يدل على أن الإطعام يتناسب والتعبير عن الغرائز الحيوية وكان "الهدف من تقديم الطعام والمشروبات بوفرة تعبير عن انتصار الحياة عن الموت وان هذه المؤكلات اللذيذة تنفيس وتطهير نفسي"[61]
ومن خلال بعض التحقيقات التي اهتمت بموضوعات مآدب المأتم التي تثبت استمراريّة هذا الموروث إلى هو الاشارة إلى "عشاء الميت" في العديد من مناطق بالبلاد التونسية وحيث وتعد الولائم تعبيرًا من أهل الميت عن "حبهم للميت وتقديرهم له. وتوجه الدعوة للأقارب والمعارف للاجتماع يوم الفرق للأكل والترحم على الفقيد وسط أجواء تشبه العرس. في الساحل، توضع في بيت الفقيد سلات من الخبز الذي يصنع خصيصًا لهذه المناسبة الأليمة، وبعد تقديم العزاء يتسلم المعزّي خبزة في طريق خروجه ويضع قطعة منها في فمه ويقول ""
أمّا في جنوب البلاد "لا يشعل أهل الميت النار في البيت طيلة ثلاثة أيام ويتكفل الجيران والأقرباء بجلب فطور الصباح والغذاء والعشاء كما لا تطهى الولائم بل توزع قيمتها مالًا على الفقراء والمحتاجين، ويلتزم من نام الليلة الأولى في بيت المتوفي بقضاء ثلاثة أيام عند أهله.[62]
بالنسبة إلى اليهود فتتكون الوجبة الأولى في بيت المتوفي، وتسمى"عشاء المواساة"، من البيض النيء والزيتون الأسود، التي توحي باكتمال دوران الحياة. ويتناولها كل الموجودين وهم يبكون ويتبادلون عبارات التعازي.وهناك عُرف يرتبط بهذه الوجبة يتمثل في تسليم الأكل لأهل الميت يدا بيد فهم لا يشعلون النار ما دام الميت مسجى في البيت ولا يطهون الطعام قبل الدفن بعد ذلك يجوز اخراج عشاء الميت وإشعال النار [63]
وظائف مآدب المآتم في المجتمع التونسي:
بما أن مآدب المآتم "ظاهرة اجتماعيّة كليّة" فهي تتضمن وظائف اجتماعية اقتصادية ودينية ورمزية وثقافية. فهي تكشف لنا عن المكانة التي يحظى بها الميت لدى الأحياء وتعكس تفاوتا طبقيا وتراتبية اجتماعية من خلال معرفة تكاليف الانفاق على اطعام المعزين فتكشف "طقوس الطعام الجنائزي عن العلاقات المعقدة بين الفرد / المجتمع مع الموت. و"احتفال العائلات بمآدب المآتم الذي تكرم به المتوفي يسمح للميت بالبقاء في ذاكرة الأسرة وعدم النسيان" [64]
وبما أن الموت يترك الفوضى والرعب فإنّ الفاعلية الرمزيّة للطقوس الجنائزية تساهم في إعادة توازن لحياة المجموعة وتصبح مآدب المآتم عبارة عن احتفال ضخم يتجمع فيه كلّ الأفراد من كلّ الأعمار في جوّ من الإثارة : سهرات ليلة مطولة، قراءة القرآن وأذكار، تجاذب الأحاديث والنقاشات أثناء المآدب. فيصبح العالم الاجتماعي هنا "عبارة عن نسيج من العلامات وبما أن الموت ينتج اللامعنى والسلبية فإن دور الطقوس لتجاوز هذه الفوضى في المعاني تنتج "اللعب بالرموز"«Jeu des symboles» وتعتبر"الطقوس الجنائزية بمثابة استحكامات بارزة تقاوم مقاومة أفضل التثاقف«Acculturation»"[65].
مآدب المآتم آلية للاندماج وتمتين الروابط الاجتماعية وتضامن:
"من أجل تأمين الحياة الاجتماعية يكفي أن يموت شخص واحد حتى تتوطد أواصر التضامن والتعاضد بين التضامن بين الأحياء كافة"[66]
إن التجمع من أجل العزاء والطعام تتخلله أحاديث ومواقف تجاه الموت، وقد ينحرف للحديث عن السياسة وعن وقائع الموت خاصة إذا كان موتا مسترابا وقد يتم اكتشاف السبب من خلال شهادات يقدمها الحاضرين ويكون اثناء تناول الطعام
كانت هذه العبارة بقدر أنّها مشحونة بالخوف والرعب من الموت مشحونة بالخيال وبالرمزيّة ونكون بصدد اكتشاف عوالم القبر وعذابه ونعيمه وعن الملكين منكر ونكير عن البعث والخلود وفي نفس الوقت وبمجرد انتهاء الفرق حتى نتعافى ونعود الى المعيش اليومي ذلك بفضل الطقوس المطمئنة
عُرِف منذ القديم أن اطعام أهل الميت من المندوبات التي رغبت فيها التقاليد حيث ورد ما يفيد "اصنعوا لآل جعفر طعاما"وإلى الآن يهبّ بعض الأجيران تزويد أهل الميت بالطعام وهي شكل من أشكال التضامن والتقارب ذلك أن هذا السلوك ما هو إلاّ شكل من أشكال التبادل يصبح الزامي في العرف الجاري مما يكسب وليمة الجنائز دلالات اجتماعية ونفسية في اعادة التوازن للمجموعة وبالتالي تجاوز أزمة فراق الميت فالوليمة الجنائزية فرصة للالتقاء والتفاعل الرمزي : أي يمكن أن تكون آلية من آليات التضامن
بقدر ما يكون الموت مصيبة تخلف اللوعة والأسى في نفوس المقربين من الميت فإنّه مناسبة لاعادة اللّحمة الاجتماعية (أقرباء- العائلة -الجيران) يجتمع فيه من لم يلتقوا منذ سنوات وتكون مناسبة لتدعيم التعارف بين الأجيال*. ولهذا فإنّ الميت يكون عنصرا لتحقيق التواصل والتعارف بين أهل الميت. كما أنّ حدث الموت ما زالت له قوّة الجذب والتأثير حيث يفرض على البشر نمطا من التصرّف تعجز بقية الأحداث على القيام به.
يعدّ الموت بالنسبة إلى أهل "مناسبة خصوصيّة لإقامة الطقوس والاحتفالات الجنائزيّة"[67] ويعتبر الطعام من أبرزها خاصة في"الفَرْقْ" فهو لقاء حول وليمة تتحوّل للقاء تتداخل فيه تعبيرات الحزن مع سرديات المعزين الحاضرين لاسترجاع ذكريات الميت ولكن أثناء تناول الطعام قد يتخلّلها بعض المزح غير المبالغ فيه وقد يتجاوز المزح في بعض الأحيان حدوده مما يدعو بعض الحاضرين إلى التدخّل راجيا من الحاضرين التقليل من ذلك "رَاكُمْ في مِيتَهْ كَثْرْتُولْهَا" بمعنى أنّكم بين من هم حزانى على ميتهم لذلك لا بدّ أن نكفّ من الهزل، وقد يكون المتسبّب فيه هو قريب الميت نفسه.لأنّ ليلة "الفرق" ليلة للوليمة، ومناسبة تطهريّة لمساعدة أهل الميت من تجاوز أزمة الفقدان أي بمعنى آخر فيها محاولة لدمج الميت في عالم الأموات ودمج الأحياء في النشاط الطبيعي للحياة. وكأنّ المجموعة بهذا التصرّف تريد أنّ تعيد عائلة الفقيد إلى الحالة الطبيعيّة التي كانت عليها وهو ما يعني سوسيولوجيا أنّه أثناء الوليمة الجنائز "يتوسّط الميت يساعد الأحياء أنفسهم على استمرارية الحياة"[68]؟
من من مظاهر التضامن الاجتماعي نجد تكفّل الجيران في اليوم الأول من حدوث الموت بالأمور التنظيمية فتفتح أبواب المنزل على مصرعيها ويدخل أهل الميت في حالة حزن يتمظهر في كلّ شيء، في الكلام وعلى الوجوه. ويهيء الجيران الطعام لأهل الميت ويشجّعونهم على الأكل وعدم المبالغة في الحزن وعدم تعذيب النفس لأنّ يلحق بذلك العذاب للميت في اعتقادهم.
تتكثف المشاعر الجماعية في محاولة التكفير عن التقصير السابق من فرص الالتقاء والزيارات قبل ما تجمعهم المناسبة الأليمة ولهذا تبقى الموت مناسبة لتجديد الروابط وإعادة إنتاجها من جديد، ولا يمكن مهما كانت الأسباب التساهل مع من لم يحضر مهما كان السبب رغم أن ذلك يتمّ بصفة لاواعية. فللموت قدرة عجيبة وسحريّة في تدعيم التحام أفراد المجتمع نادرا ما نلاحظها في بقية الظواهر.
"وجبة طعام طويلة أحيانا. نحن في موقف حميم جدا، وجها لوجه، في عينيك. وقد يكون الالتزام بالكلام المباشر الوجبة هي مسرح العائلة الصغير وكل واحدة منها تظهر طاقاتها في لعب الأدوار وقد تكون أروع طاولات اللعب قاسية جدا على الخجولة الذين يشعرون بأنهم مكسرون ويتساءلون طوال فترة الوجبة: "هل أستطيع أن أقول كلمة واحدة"[69]
مآدب المآتم وعلاقتها بالاقتصاد:
ميّز Annick Barrau بين نوعين من الاقتصاد واحد أسماه بالاقتصاد الدنيوي والآخر بالإقتصاد المقدّس، يتمثل الأول في أنّ الإنسان يحتاج للربح بغاية "الامتلاك أكثر بطرق حسابيّة" أمّا الثاني فهو "الذي يشتغل على العجيب إمّا في حفل أو في مناسبة الانفتاح على الما فوق طبيعي (الديني والرمزي) يتأسس هذه المرّة على مبدأ الخسارة المهيمنة بمنطق الإنفاق فهو يبحث عن ربح "الخيرات الروحانيّة"[70] ذلك أن الاقتصاد في الزمن المقدّس يترواح دائما بين التقشّف والإسراف. فالاقتصاد الدنيوي هو اقتصاد سوق يتأسس على العقلانية بينما يتأسس الاقتصاد المقدّس على علاقة التبادل الرمزي.
وفي هذه المقارنة يتضح لنا أنّ مآدب المآتم تندرج ضمن الاقتصاد الرمزي وبالتالي يتطلب عملا تضحويا ووليمة تتطلب بدورها إنفاقا ماديا وهذا له صلة بالمسألة الاقتصادية في جوهرها ولا يمكن بأي حال من الأحوال عزلها عن الطقوس ورموزها. وهو أيضا ما أشار إليهHarold Portnoy في تبيّان العلاقة بين المال والمخيّال أنّ تصوّرات الإنسان حول الموت تحدّد كيفية تعاملاته مع المال[71]
إنّ حفاوة الاستقبال بما يذبح من خرفان وما يتفنّن في طبخه يكون مكلّفا ماليا ومرتبطا بالتباهي ودالا على المكانة الاجتماعية لأهل الميت. ولقد أشار Emile Durkheim أنّ "القيمة الاقتصادية هي نوع من السلطة والفاعلية ونحن نعلم الأصول الدينية لفكرة السلطة"[72]. ولهذا وكما لاحظناه في المجتمع تونسي يعمد الورثة إلى إنفاق أموال طائلة من ثروة الميت تصلّ في بعض الأحيان إلى حدّ التبذير لإنجاز احتفال جنائزي ملفت لانتباه يرسّخ في ذاكرة الأحياء قوّة الميت ونفوذه حتّى بعد موته ف"الإنفاق الجنائزي وتقسيم الارث بين عدد من المنحدرين يمنح هؤلاء من اكتساب نفس القوّة السياسية والاقتصادية التي كانت للميت"[73]
"وكانت الفئات العليا تنفق ببذخ في مثل هذه المناسبة، ويتجلى ذلك من خلال حجم ونوعية المأكولات المقدمة وعدد الايام التي تستغرقها، فعند وفاة زوجة السلطان برسباي ودفنها صبيحة الاحد، استمر تقديم الاطمعة "الى صبيحة يوم الجمعة، فجملة ذلك ستة أيام" ويذكر ابن ساباط ارقاما عن كميات المواد الغذائية لتجهيز طعام العزاء الذي حضره في يوم واحد سبعة الاف شخص وذلك بمناسبة وفاة الامير جمال الدين بن عبد الله بن سليمان –من امراء العرب"[74] "
فعند إعلان الوفاة يأتي عدد من المعزّين لتوديع الميت الوداع الأخير لأداء واجب ديني في تشييع الجثمان إلى مقبرة الأسلاف. وأمام هذا الحضور فإنّ الأبناء يذبحون الخرفان بإسم فقيدهم وقد يؤدي بهم هذا الإنفاق إلى التدايّن لإتمام واجبهم ويشير Raymond Jamous إلى أن ذلك قد يدفع العائلة إلى بيع قسما من الأرض لاسترجاع الديون قد يؤدي بهم الأمر في بعض الأحيان إلى الإفلاس.
ليست فترة الحداد إذن هي التي يحدّ فيها الورثاء على ميتهم وإنّما "هي مناسبة لإنفاق بسخاء يفوق ما يصرف في الزواج"[75] وبعد ذلك يدخل الورثاء في مرحلة جديدة وهي تقسيم الارث حسب الشرع. وقد تنشأ صراعات وأحقاد قد تؤدي إلى التشتت وتفتيت التماسك العائلي. "فموت "الكبير" يخلف نتيجتين: من جهة ثقل هيبة الكبير الميت زمن الحداد والإنفاق الجنائزي المكرّسة باسمه. ومن جهة أخرى سيشنّع به البعض وسيمجده البعض الآخر. ولكن كلّ الناس سيتذكرون أن أنسابه كسبوا بفضله لحظات المجد. هذا النذر ستكون الذريّة وكلّ الأنساب ضحيته" ويوزع على الفقراء والمحتاجين والغرباء
لهذا يمكن للميت أنّ يخلّف مشاكل يعاني منها الأحياء يتواصل تأثيرها حتّى بعد وفاته وهو ما يفسّر لنا ما كانت تلعبه الوصيّة من أهمية اجتماعية في المحافظة على استقرار المجموعات وتماسكها وكيفية المحافظة على توزيع الثروة وتقسيمها.
ولئن كانت فكرة التفاخر سائدة لدى التنظيم القبلي فإنّ نفس هذه الممارسات نجدها في الفضاء الخضري حيث تتنافس العائلات فيما يقدّم لها من تعازٍ وتفاخر بحضور شخصيّات سياسية أو ذات مكانة مرموقة. فالعائلة أصبحت تسعى للكسب المكانة الاجتماعية من خلال ما يبدو من إصراف في تقديم المأكلولات والمشروبات والمرطّبات التي قد يطلبها بعض الحاضرين. ونستشف من ذلك محاولة أهل الميت إبراز ما يولونه من قيمة للفقيد وما يتمتّع به من رعاية فيقال "فلان جنازتو تعدّت تركب ست وستين كيفا"وأول ما يبحث فيه أهل الميت هو هل على الفقيدهم دين ويفسّر ذلك بصلة الوثيقة بين ممارسة الطقوس الجنائزية والمال ف "نفس المؤمن معلّقة بدينه حتّى يُقضى عنه"[76]
الوليمة مناسبة لمقاومة ألم الفراق:
يعتبر الألم ردّة فعل فيزيولوجيو-بيولوجية طبيعية ضدّ الفقدان، والفراق ولكن الإحساس به والتعبير عنه والتحكم فيه، والتّعامل معه، يتم عبر الثقافة والتنشئة الاجتماعيّة، إذ انتج، المجتمع من خلال تجارب عديدة وطويلة من اختبار تجربة الموت، آليات عزاء وسلوان، ملطفة للألم ومطمئنة للأحياء عند معايشة حدث الموت المنسيّ/ المرتقب، والاندماج في طقوسه. والمثير للانتباه هو أن هذه الثقافة تهدف إلى تقويّة الأمل والرغبة في الحياة وعدم الدخول في سوداوية عندما لا ينجز "عمل الحداد" على حدّ عبارة فرويد [77] كما نلاحظ أنّ الطبّ قد ادرك قيمة هذه الفكرة أي اعتبار أن الألم "معطى اجتماعيا" ومن أجل هذا السبب ظهرت مقاربات طبّية جديدة، تسمّى بالطب البديل فالاجتماع في مآدب المآتم مسرحة للمشاعر وعملية تطهرية بامتياز من خلال تبادل الكلام والطعام والمشاعر أي اعطاء لحدث الموت معنى
لهذا نجد تعبيرات متنوعة حول الألم، تمظهرت في صور ورموز، استقرّت في المتخيل الجماعي، وهي تهدف إلى استئناس الألم ومواجهة الموت. ولهذا فإن قيمة حضارة معيّنة، إنّما تقاس بمدى قدرتها على إبداع أشكال تعبيرية وطقوسية لمعايشة الألم وترويضه وتحويله إلى طاقة ايجابية. ولقد كتب جورج زيمل في "في كل الأزمان، ارتبطت ثقافة الحياة العميقة ارتباطا وثيقا بما تعطيه من دلالة للموت. فإدراكنا للموت ادراكنا للحياة باعتبارهما خاصيتين لنفس الموقف. [78]
فالألم الحادث عند الموت، يعاش فرديّا وجماعيا في آن واحد، ذلك أنّه حالة من المشاعر التي تبنى اجتماعيا ورمزيا بحيث يجد الفرد المواساة والعزاء في التعبيرات الثقافية السائدة التي تعطي معنى جديدا للألم، وتمنحه قدرة تطهيريّة شافية. وانطلاقا من هذا، فإن المقاربة الانثروبولوجية من شأنها أن تساعدنا من ناحية أولى على دراسة التعبيرات الشفوية التي يصوغها المجتمع لاعطاء معنى للألم، ومن ناحية ثانية على تحليل الطقوس المطمئنة والملطفة للموت (الرثاء، الحداد الفرق ...) والتي يكون مصدرها متعدد المنابع فيه الديني والاسطوري والخيالي (رمزية صبر أيوب والسردية الشعبية في نقل صور لتحمله مثلا).
ولمّا أصبحت تجربة الألم في عصرنا الحاضر، تعاش في عزلة قاتلة، وغابت أبعادها التّشاركيّة، غدت بمثابة موت اجتماعي، كما يقول المثل العامّي: "حزن الجماعة فرح". فهل أنّ التعبيرات الثقافية في المجتمع التونسى مازال لها دور في التخفيف من الألم والتلطيف منه؟ وما الذي يجعل من الألم تمثلا اجتماعيا؟ وما دور الطقوس في التخفيف منه؟ ولماذا يتجه الطب البديل إلى الاعتماد على هذه الطقوس في معالجة الألم؟[79]
المخيال الجماعي للموت في علاقة بالطعام
يجب أن يستعمل مفهوم المخيال الاجتماعي بحذر فتعبيراته ورموزه وعلاماته "لا تستجيب دائما للصرامة العقلانيّة كما أنّ تعريفه ليس عملية سهلة" وتعدّ دراسة مختلف تجليّاته سواء كانت ذات مضامين أدبية أم دينية أم سياسية أو تعبّر عن بعض الرموز الاجتماعية "تستهدف في العمق الكشف عن كلام المجتمع ورصد الديناميكية الخاصة للرموز والحكايات والإدراكات المختلفة التي تولدها جماعة معيّنة سواء في زمنيتها العامة أو عند الهزّات التاريخية والسياسية الكبرى". وكلّ ذلك يستدعي "البحث في المكونات الثقافية وفي السياق المعرفي والتاريخي الذي يحصل فيه هذا التفكير"[80] ومن هنا فإنّنا نتعامل مع هذا المفهوم بأكثر مرونة مركّزين خاصة على ما يساعدنا على فهم متكوّن المتخيّل الجماعي حول الموت بصفة عامة وفي علاقة بمآدب المآتم خاصة ولعل تفسير الأحلام[81] حول المطبخ والطعام تحتاج منا إلى دراسة مستقلة وسنختصر فقط على الممارسات الاعتقاديّة المرتبطة بالغذاء:
تقنيات التنبيء بموت الأشخاص
كتف ضحيّة العيد: وتسمى أيضا "لوحة العيد"[82] وهي تقنية خاصة في التنبئ بالموت وتمثّل طريقة هامة إذ لها وظيفة تأهيليّة لتتقبل الموت نفسيّا وتعلن في نفس الوقت أنّ كلّ فرد عليه يكون على تأهبّ في أي لحظة لتوقع موت أعزّ الناس. فنجد على لوحة الكتف الأيمن لخروف عيد الأضحى "مسجّلا مصير رئيس العائلة متعلقة بالفترة بين التضحيتين الطقوسيتين"[83] ولهذا السبب لا يجب اتلافها ولا ابادتها وإنّما الاحتفاظ بها. فبعد أن تُؤكل "لحمة الكتف" يسلم عظمه إلى "أهل الإختصاص لأنّ معرفة ما يدلّ عليه عظم الكتف لا يعرفه إلاّ أناس (معطى لهم) أي ورثوا التكهن بواسطة الكتف عن قريب أو صديق عارف أو عن موهبة إلاهية أو دعاء من أحد الصالحين فيتسلمه العارف وينظر إليه مليّا فإن لم ير فيه شيئا -وذلك قليل طرحه- وإن رأى فيه بقعة بيضاء صافية بياضها أشد من بياض الكتف قال إنّه غدير يعني أنّه يدل على قرب نزول المطر، وإن رأى مكانا أحمر أو أدهم في شكل مستطيل يشبه القبر قال : أن شخصا سيموت قريبا لأصحاب الشاه أو جارا أو من القبيلة ويعرف ذلك بعلامات خاصة لا يدركها إلاّ هو’’[84] ونلاحظ أن في هذه الطريقة محاولة لاستبطان موت الآخر فهي ضرب من اللعبة الاجتماعية التي لها وظيفة خلق جدل حول مستقبل الأفراد وما ينتظرهم ليتهيؤوا لذلك.
- الحوت : "من المعتقدات السائدة في هذا الصدد أنّه يكره لدى المتزوجات أكل رؤوس الأسماك لأنّ ذلك مشؤوم على الزوج إذ يعتقد بأنّه يموت قبل زوجته ومن ذلك القولة "إِلِّي تَاكُلْ رَاسْ الحُوتْ تَاكُلْ رَاسْ رَاجِلْهَا" تعكس هذه العادة ما تعانيه زوجة الصياد خاصة خوفا على مصير زوجها الذي يخرج للصيد ولا يعرف ما ينتظره وبالتالي تكون هذه الطريقة كالتطيّر للحفاظ على حياة الزوج وتوحي بهذه المحبة الخفيّة للزوج. فالزوجة لا تأكل رأس السمكة وكأنّها توحي لزوجها بالحبّ الدائم له وتخاف عليه من الموت.
كسكسي المأتم والطقوس المصاحبة له
عند الوفاة يتبع جملة من القواعد التقنية أيضا مجسمة للطقوس والعادات المتبعة وان بدت هناك بعض جوانب الاختلاف البسيطة نستشفها من خلال المبحوثين ولكن ما نلاحظه هو أن حضور الكسكسي يمتد إلى الموت، ( حسب مقابلة مع توزر صـ ) تعد عائلة الميت عند "الفرق" الموافق لثالث يوم بعد الوفاة "عشاء الميت"،ووفقا للتقاليد، يكون هذا الطبق بسيطا ولا يضم عدة مكونات وتنقصه البهارات والتوابل مراعاة لمناسبة الحزن.كما أن بعض العائلات تقوم بطهو الكسكسي دون اعتماد القلي لمكوناته بل توضع مباشرة في الماء البارد وهي عادة طقوسية ذات ايحاءات رمزية ( الماء برد وسلام وخصب للميت ) ويكون ذلك مباشرة اثر الفراغ من غسل الميت أي في نفس اليوم ويسمى " عشاء الميت " ولا يجب أن يكون بعد المغرب ( حسب مقابلة مبروكة لـ ) القلي حسب فكرهم رمز شؤم للميت (موش باهي ) فيوزع على الحاضرين وخاصة الأجانب أو الضيوف الغرباء عن العائلة وهنا نستشف منطق أنّ " الحياة ما تتوقفش على الميت " أو " الحي أبجل من الميت " هي مواصلة لفكرة دورة الحياة . كما أن بعض الأهالي خاصة العوامرية في حالة الوفاة لا يطبخون الطعام البتة " ثلاثة أيام النار ما تشعلش "بل أن الجيران والأقارب هم الذين يتكفلون باعداد جميع وجبات العائلة وهنا تكمن أهمية التضامن والجمع في الطقوس الجنائزية . ثم في اليوم الرابع يقوم أهل الميت بالغُسل (استحمام) ويعودون للأكل وممارسة حياتهم الطبيعية وما نلاحظه هو أن الغسل عبارة عن تطهير البدن من الأحزان وما يرتبط بها والعودة للأكل هي عودة للحياة ..
كل هذه المراحل التي يمر بها طبق الكسكسي من تحضير واعداد وتقديم وما يصاحبها من عمل جماعي وتضامن اجتماعي تقريبا على غرار طقس الفرح أو العرس هو دليل على اكتساب الكسكسي للطابع الرمزي والثقافي متجاوزا بذلك البعد البيولوجي للعنصر وهو ما يتكرر في العادة الجنائزية المعروفة باسم "الاربعين" التيّ توافق مرور أربعين يوما على رحيل الميت، وبذلك يلازم حد الكسكسي الفرد والجماعة من المهد إلى اللّحد
وما نلاحظه أو ما نستشفه من خلال المقابلات أن هذه الخطوات المنهجية أو التقنية التي يمر بها طبق الكسكسي في كلتا الحالتين أي الفرح أو المأتم هي نفسها مع وجود اختلاف في البعد الرمزي والدلالات المرتبطة به وكذلك اختلافات شكلية من حيث أهمية المركز الاجتماعي للعريس أو للميت [85]
التطيّر من تبادل الملح والغربال والخمير: ونجد أن استعمال بعض الأشياء في التبادل اليومي غير مستحب فالمجتمع يكره الإعارة لبعض المواد الاستهلاك اليومية إذ تقول "الخرافة بأنّ لإعارة أعراف وينبغي احترامها حتّى لا يلحق الإنسان مصاعب لا طائل منها "حسب ما تفيده إحدى المخبرات:ثلاثة أشياء يمنع إستعارتها لا سيّما في المآتم وهي : الملح -الغربال-والخمير بعد تشييع الميّت يقع التصدّق بقليل من الخبز والملح بعد وضعها في غربال حتّى أنّه يقال "مَا يَاخِذْ المِيِّتْ مَعَاهْ كَانْ مَا يَمْلاَ غُرْبَالْ"[86] وما يمكن أن نفهمه من ذلك هو أن العائلة التي تكون منهمكة في حزنها والاعتناء بمعزيها لا يعقل أن نقلقها بطلب الاستعارة منها ومن هنا فإن المتخيل الجماعي يستنبط هذه الطريقة حتّى يفرض نمطا من التعامل يساعد على احترام العائلة التي في حالة حزن.
- طائر دجاج والاحتفال بعاشوراء (استرجاع ذكرى الموتى)
يتم في ليلة الاحتفال ب"التاسوعة" بذبح طائر دجاج و يضعن النسوة الكحل على العيون فهو"يساوي رمز الحداد"[87] "ومن المعتقدات السائدة أن الذي يولد في يوم عاشوراء مشؤوم إمّا أن يموت الأب وإمّا تموت الأمّ وفي أحيان أخرى يموت المولود نفسه" ويُكره الزواج والختان وأي شكل من أشكال الفرح فهو "موش مليح" أي ليس جيّد قد ينجر عنه ما لا يحمد عقباه.
وما يمكن أن نفهمه من الاحتفال بعاشوراء هو مسّرحة الحزن واسترجاع ذكرى الموتى (تماهيّا ما ذكرى استشهاد الحسن والحسين) بذلك الذي فيصوّر المتخيّل الجماعي الموت العنيف والدرامي يظهر الحزن الفردي والجماعي ويجتمع الأهل على المائدة الطعام وفي هذا اليوم يجوز زيارة المقابر حيث تتحوّل إلى نزهة لدى الصغار حيث تراهم يحملون القفاف مملوءة بالخبز والشريحة (تين مجفّف) وتوضع قرب القبر "رحمة للوالدين في الشهر الفضيل" كما يتمّ قراءة الفاتحة على القبر وصبّ الماء عليه حتّى تشرب منه العصافير ترحّما على الميت وتتجمع العائلات لاسترجاع ذكريات الميت.
طعام أهل الجنة والنار:
لا نريد أن نتوسّع في هذا الجزء من الدراسة ولكن أردنا أن نبه إلى أهميّة البحث فيه وتبين تأثيراته وعلاقته بالقيامة وبالبعث والخلود وهل أن مثل هذه الآيات المتعلقة بأحوال الجنّة والنار يمكن أن تساهم في صياغة رؤيّة للحياة نفسها في الدنيا وفي تشكيل المخيال الجماعي للموت ومآل الشخص ومن بين ما ذكر أن طعام أهلّ النار الزقوم والضريع ووشراب الحميم[88] فإنّ متأثر بما روي بينما الطعام في الجنة وأهل النار وقد أشار ابو حامد الغزالي في احياء علوم الدين إلى بيان طعام أهل الجنة مذكور في القرآن من الفواكه، والطيور والسمان، والمن والسلوى والعسل واللبن وأصناف كثيرة لا تحصى[89] كما اشار الى المشروبات "من عين سلسبيلا" ثم يورد الغزالي حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم أثناء سؤال يهودي"بلى والذي نفسي بيده ان احدهم ليعطى قوّة مائة رجل في المطعم والمشرب والجماع" فقال اليهودي: فان الذي يتكل ويشرب يكون له الحاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك فاذا البطن قد ضمر" كما ذكر حديثا اخر "انك لتنظر الى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا"[90]
الجوانب الدينية والاجتماعية للسلوك الغذائي المأتمي
يرى الفقيه الشافعي النووي، أن الأكل من طعام المآتم مكروه" ولا نجد في هذه الكراهة سوى احتمالين: الاول ان احكام الجنائز تقضي ان يعد الطعام اقرباء والجيران لأهل الميت لا العكس والاحتمال الثاني هو الخشية اللاواعية من أي يلحق الأذى أو الموت باحدهم" ومع ذلك فان الكراهة لا تجد لها صدى في الواقع المعيش"[91] "وفي العهد العثماني الاول بمدينة دمشق اصبحت لهم جواسيس تنقل لهم اخبار الجنائز ومراسم الموتى"[92]
"ويختم المأتم والطعام الجنائزي ببعض العادات المرافقة، منها أن المائدة التي قدم عليها الطعام في ايام العزاء الثلاثة لا يرفعها الا الذي وضعها وهي عادة تتضمن نوازع الخشية والحذر والحيطة من وقع مكروه"[93] جرت العادة صنع الحلويات (الزلابية) او شراءها في اليوم السابع من الوفاة "ولعل في ذلك اعلان عن انتهاء الايام "المرة" والاستعداد "للاقبال" من جديد على الحياة بمباهجها وافراحها وطي صفحة الاتراح والعودة الى الجماعة"[94]
ما هو ملاحظ أنّه بمجرد إتمام الدفن والتعزيّة في فضاء المقبرة يرجع الرجال لكي يجد في انتظارهم ما يعرف ب"فطور الميت" وعندئذ تدخل العائلة في الحداد وفق تقاليدها فقد يمتدّ ثلاثة أيام أو أكثر باعتباره وسيلة هامة لعزل العائلة عن مظاهر الحياة والفرح. ونجد أن الذين يعرفونهم ينقطعون عن الحديث المرح في ظلّ حضورهم ويتكلفون الحزن حتّى لا يجرحون مشاعرهم.
وتعدّ المقبرة فضاء هام لتمظهر العديد من الممارسات مثل قراءة القرآن وتقديم الصدقات للفقراء والمحتاجين من ولائم تعرف بعشاء الميت والتصدّق بالأموال وغيرها. كما تنتظم العديد من الزيارات إلى المقابر حسب الأعياد والمناسبات الدينية مثل الأعياد وعاشوراء
ويعدّ شهر رمضان الذي هو شهر الصيام والقيام من الأشهر الأكثر تذكرا للموتى والتصدق عليهم خاصة في ليلة النصف وليلة القدر حيث تبعث بعض العائلات طعاما الى المسجد يقبل عليه المحتاجين والمتسولين وعابري سبيل ففي تذكر الموتى احسان للأحياء وتقديم المعونات لمن يريدون التمتع بملذات الحياة ويمتن الروابط الاجتماعية كما أن هناك ظاهرة اطعام عن الميت المتوفي الذي مات ولم يستكمل صومه وقد فطر في ايام حياته لمرض كما يمكن ان يصوم أهله عوضا عنه
لأنّ "الحياة الاجتماعية نسق حيث أن كلّ الخصائص مضبوطة ومنظمة ومترابطة في مختلف المستويات"[95]. فالوليمة المأتمية ظاهرة اجتماعية كلية وبامتياز ولا بد أن يرافقها تعبيرا لغوية للمواساة والتلطيف من آلام الأحزان وفي حالة حدوث تزامن في الجنازة مع العيد الفطر لا يمكن لأسرة المتوفي أن تعد الكعك للاحتفال بهذا الحدث.
لا شكّ أن لكل مجتمع خصوصيته الثقافية والدينية التي يصيغ بها سلوكه الغذائي عامة والمخصوص بالجنائز خاصة فهي تعبيرة ثقافية بامتياز وتواصلية بين أفراد يمرون بمرحلة حزن وحداد وأفراد يريدون تقديم المساعدة لتجاوز هذه الحالة من خلال المشاركة في المواساة والتعاون من خلال البعد الاجتماعي للوليمة المأتمية كما أنّه بالنسبة إلى المهاجرين المقيمين في البلدان الاوروبية في فهي تعد مناسبة للتميّز في الانتماء وتعكس هويتهم ومن خلال ذلك يعرف الآخر طقوس الأديان وتنوعها في المأتم.
كما اتضح أن مآدب المآتم مرتبطة ارتباطا وثيقا بالطقوس فيها ما موروث عن حقبات تاريخية موغلة في القدم وفيها ما هو متصل بالدين وهي تخضع للتطور خاصة في زمن العولمة لأنّها انتجت تصورات وممارسات جديدة. ذلك أنّهفي الفرق أو الأربعينية أو عند مرور حول على الوفاة تجتمع العائلة والاقرباء والجيران واصدقاء الفقيد مساء وهي تعد مناسبة لقراءة القرآن والإطعام سهرات ليلية مطولة (شرب الشاي والهوة والمزاح – الاسراف المالي) وهي تندرج ضمن طقوس الانتقال التي هي اكثر تعقيدا فهي ليست ظاهرة طبيعية /بيولوجية (مغادرة الروح للجسد) فقط وإنّما هي "تغير في الوقت نفسه انطولوجي واجتماعي"[96] واعداد الطعام في الحداد فهو تدرب للعودة للحياة لطبيعية ذلك أن "الحداد هو فترة من الحياة لا بدّ منها أن نعيشها" [97]"الموت بلا استدعاء والعرس بالاستئذان" أما الرجال فإنّهم ينصرفون مباشرة بعد الجنازة إلى دار الميّت ليملؤوا بطونهم من عشائه"[98]. ولا توقد الزوجة "نارا بالبيت لإحضار المأكل حيث تراه يتدفق من عند كل الأقرباء (ويدوّن كذلك في كنّش الى فرصة تسديده)[99]
لهذا يمكن القول علاقة المجتمع التونسي بالطعام لها بعدا اجتماعيّا تعود فيها التصورات والممارسات الغذائية الى القديم وتتطوّت بتطوّر الحقب التاريخية[100] التي عرفته البلاد التونسية وكل حضارة تترك تأثيراته فتنصهر جميعا في مكوّن ثقافي للطعام ويعطيه هويته الخاصة به
آثار التحولات الاجتماعية في مآدب المآتم في تونس
للسلوك الغذائي المأتميّ جوانب اجتماعية مهمة ذلك تعطي لعلاقة المجتمع التونسي بالطعام بعدا اجتماعيّا بحسب مكانة الميت ووضعية أهله الماديّة مناسبات الأفراح ولفهم ذلك فأن فلا بد من دراسة السياقات التاريخية للتصورات والممارسات الغذائية التي تعود الى القدم وتتطوت بتطوّر الحضارات التي عرفته البلاد التونسية وكل حضارة تترك تأثيراته فتنصهر جميعا في مكون ثقافي للطعام ويعطيه هويته الخاصة به وتساهم المناسبات التي لها طابع الديني أو تقليدي في المحافظة على الثوابت رغم ما يعرفه المجتمع من تحولات
فقد بيّنت دراسة حول طقوس الموت والأطعمة الجنائزية في شمال أفريقيا القديمة أنّ الشعائر الجنائزية تشهد جيّدا "على تنظيم المجتمعات وعلى معتقداتها. فهي توحدّ الأحياء والأموات في مأدبة الطعام. وحيث تفسر البيانات المستمدة من الحفريات في المقبرة: مثل قراءة شواهد القبور التي توّفرُ للمؤرخين مجالا للتفكير في ممارسات الدفن. وهذه المصادر المختلفة تمكننا من جمع وتحليل هذه الذاكرة من خلال جعلها تدوم طويلا. وهي تدعونا إلى النظر في مضمون هذه الاحتفالات الاجتماعية التي أعرب عنها وديناميكية هذه الطقوس مع مرور الوقت[101]كما أشارت هذه الدراسة إلى الفريات في مقبرة Pupput (Hammamet) آثار أثاث وغذاء جنائزيّ ( مغامرة مونيك والدة أوغستينوسla mésaventure de Monique, mère d’Augustin التي حاولت أثناء إقامتها في ميلانو أن تجلب "العصيدة والخبز والنبيذ المحبوب" إلى قبر القديسين) وبالتالي يمكن القول أن الاحتفالات الجنائزيّة من الأكل والشراب يمكن لكتابة أن تحافظ على الروابط بين عالم الأحياء وبين عالم الموتى" هذه الطقوس الغذائية كانت تكفل سلام المتوفى في بيته الجديد.
أما اقتصاديا فقد الانتقال من الاقتصاد المنزلي الذي يدخر الطعام لوقت الحاجة خاصة عند الموت تستحضر النسوة عند اعداد العولة بقول "على موت على حياة" والذي يحافظ ولا شك على الطابع التقليدي لولائم المآتم الى اقتصاد السوق ضيق الفضاءات خاصة الذين يقطنون العمارة الشاهقة مما يقلص من الاجتماع على الطعام والاكتفاء بالتعزية عن بعد كانت الفطور يقتم في أنية كبيرة وروائح الطعام انتشر في كامل فضاء المنزل مما يولد التفاعل والتبادل الحديث ويتعقد عمل المحددات الفسيولوجية لدى الإنسان بسبب السياق الاجتماعي- الثقافي الذي يجب أن يسجل فيه تناول الأغذية.بينما الان كل واحد وطبقه الخاص به يتقلص تبادل الحديث ولا رائحة ولا طعم.
لهذا نتساؤل: هل حافظت مآدب المآتم على خصائصها التقليدية أم تراجعت الصفة الرمزية لأطعمة الرمزية[102] أمام التغيّرات التي عرفها المجتمع التونسي؟ لقد لاحظ Michel Vovelle أنّ الثقافة الشعبيّة القديمة هي في طريقها للاندثار تحت وطأة التحديث [103]
لذلك لاحظنا أنّه عوضا من اعداد مآدب المآتم من قبل الجيران يتم تقديم مساعدات ماليّة لأهل الميت ليتكفلوا باعداد الطعام كما لاحظنا في زمن وباء كورونا أفرز نمطا جديدا من التواصل للتواصي من الوسائط المتعددة وأن هناك بعض الخواص يتكفلون بالطبخ والإطعام عند اعداد الوليمة الجنائزية وإقامة الخيام خاصة إذا كانت الجنازة تقيم في عمارة. كما أن صعوبة الحياة والالتزامات اليومية والمهنية قلصت عن الأطر التقليدية للتعزية وهو ما فسح المجال للإعلام لاحتضان تمظهرات الحزن والخطاب التأبيني نفسه يحمل عدد دلالات تعطينا فكرة عن مفهوم الموت لدى المجتمع التونسي الحالي والتي وردت في عديد من المقابلات المنظمة والعفويّة مع المستجوبين[104]
كانت الفطور يقتم في أنية كبيرة وروائح الطعام انتشر في كامل فضاء المنزل مما يولد التفاعل والتبادل الحديث ويتعقد عمل المحددات الفسيولوجية لدى الإنسان بسبب السياق الاجتماعي - الثقافي الذي يجب أن يسجل فيه تناول الأغذية.بينما الان كل واحد وطبقه الخاص به يتقلص تبادل الحديث ولا رائحة ولا طعم
المطبخ الجنائزي نرى الفئة الاساسية فيه والمسيطرة عليه هي المرق واللحم والقمح والزيتون وزيته والتمر والزبيب المجفف وفطير والسكر والمشروبات مثل التاي او القهوة دون غيرها فهو مطبخ له فرادة ومعنى متميّز فهذا المطبخ اذن يقوم أساسا على الاقتصاد المنزلي فهو يرتكز على الاكلات الأكثر شعبية والتي يمكن أن تدخر وقت الحاجة (له مذاق الطعام جنائزي التي تعودت عليه ذاكرة التذوق الشعبي) لكن اليوم أصبح اليوم لا نفرق بين مطبخ الاعراس ومطبخ الجنائز
يرتبط الإنفاق ببذخ وسخاء من طرف أهل الميت لأنّهم يعتبرون أن الروح الميت تفرح بالصدقة التي تصله من الأحياء وهناك عنصر مرتبط بالجانب النفسي وهو محاولة التكفير عن ذنب خاصة إذا عرف الميت إهمالا في حياته من قبل الأحياء فيحاولون تجاوز هذه العقدة بفعل الخير لصالحه. كما يتعلق الأمر بما تركه الميت من أرزاق وإرث مما يجعل ورثته حريصين على رد جميله بهذا الاحتفاء أو كأن يكون ذلك تنفيذا لوصية الميت نفسه.
كما يبرز تغيّر مآدب المآتم في ما يقدم الأطعمة الفاخرة والمشروبات حيث يظهر كلّ ما تقدمه الأسرة كشكل من أشكال تكريم المعزين وإظهار الثروة والقيمة الماديّة للشخص المتوفى وبالتالي فإنّ هذا الكرم نابع من رزق المرحوم. لذا يبدأ التباري بإظهار مظاهر البذخ والإسراف ويبرز ارتفاع النفقات في الجنازات الحظوة الاجتماعيّة لعائلة الميت وكذلك مكانتها الماديّة. لكن الأخطر هو ما يمكن الإشارة إليه هي اللامبالاة حيث لا يقدر البعض حالات الحزن ولا مشاعر الآخرين...ولا يجيدون كيفيّة العيش مع الحزن بصورة جماعيّة من جهة أخرى فإن هذا التحوّل إلى تحوّل الفضاء الذي نعيش فيه فالعمارات والأماكن المكتظة بالسكان لا تسمح بالإحساس بقيمة الحزن جماعيّا..ثمّ إنّ المشاغل والحياة السريعة لا تترك للفرد فرصة للتفكير في الآخر وفي مشاعره وأحزانه وبالتالي فهو لن يجيد التفاعل معه حيث لا وقت للحزن لديه...وهذا ما يجعل أهل الميت يصابون ببعض الأمراض الاجتماعيّة في صورة غياب التضامن الاجتماعي في الحزن.
أن الموت حدث اجتماعي فثمة نوع من مقاومة الموت عن طريق إثبات صور الحياة من زينة ومشروبات واكل وتزويق وتجميل.أي أن هناك حرصا على تغيير ثقافة الموت المسيطرة بثقافة الحياة. لكن يبدو أن من لم يعش "حالة الحزن" الضروريّة لدى فقدان عزيز عليه فإنّه معرّض للإصابة بأمراض نفسيّة وبعقدة الذنب. تحويل التعازي إلى مجرد إعلانات بالجرائد أو تعزيّة بواسطة الانترنت خاصة أنّ ثقافة التعزيّة قد بدأت تغيب عند البعض.ومثل هذا الأمر دفع بالكتاب في البلدان الأوروبية إلى أن يصدرون مؤلفات لتأنيب مواطنيهم عن تقصيرهم في أداء واجب التعزيّة بالشكل اللائق لدى مواساة الآخرين. إنّ من لا يعرف شعور الحزن فإنّه لن يعرف أبدا متعة الفرح والحياة. نأخذ أمثلة على ذلك العمارات الشاهقة لا تساعد على إقامة الطقوس الجنائزيّة ولا الأفراح مما استوجب خلق فضاءات موازية وبأسعار باهظة ومن هنا اندمج الفضاء في العمل التجاري وفي القيمة المربحة. اقتصاد الفضاءات الاحتفاليّة أمر مثير للدراسة. فالمناسبات التي لها طابع الديني تساهم صحيح أنها تحافظ على الثوابت رغم ما يعرفه المجتمع من تحولات ولكن الانتقال من الاقتصاد المنزلي الذي يدخر الطعام لوقت الحاجة خاصة عند الموت تستحضر النسوة عند اعداد العولة بقول "على موت على حياة" والذي يحافظ ولا شك على الطابع التقليدي لولائم المآتم الى اقتصاد السوق لكن فإن الذين يقتنون في فضاءات ضيقة مثل الذين يقطنون العمارة الشاهقة مما يقلص من الاجتماع على الطعام والاكتفاء بالتعزية عن بعد وتنتصب في الساحات او في اركان الاقامة خيام تكرى ويتلوى الطباخ اعداد الوجبات بحسب طلب أهل الميت.
خاتمة
"من أجل تأمين الحياة الاجتماعية يكفي أن يموت شخص واحد حتى تتوطد أواصر التضامن والتعاضد بين الأحياء كافة"[105]
مثلت ولا تزال مآدب المآتم لحظة الانتقال من الطبيعي إلى الثقافي ولحظة الالتقاء المجتمع مع الدين ولحظة وحدة الوصل بين الأحياء والفصل/العزل مع الميت وتحقق التضامن والتبادل الرمزي وفق الثنائيات (ماكنة الميت/وضعيات المحدّ، مقدس/دنيوي، ذكر/انثى، غنيّ فقير، طفل/كهل) ووفق تصورات ومواقف وممارسا منمطة تشكلت في سياقات تاريخية طويلة وتحولات اجتماعية جعلت التقيّد الصارم بهذه الطقوس لم يعد له فاعليّة بنفس الدرجة التي كانت عليه في الماضي ذلك أن تراجع الطقوس المطمئنة ليستأنف المحددين حياتهم العاديّة يسبب اضطرابات الشخصية التي يتلبسها قلق الموت وألم الفراق ويصبح تدخل الطبّ النفسي أمرا ضروريّا بعد كان ذلك يتم في المحيط الأسري. (هناك أزمة في استئناس الموت ولا يمكن تجاوزها إلاّ بيداغوجيا الحزن والتربية في المعارف والأساليب لتقيويّة نزعة غرائز الحياة لدى الافراد من التنشئة الاجتماعية وهذا يتطلب تدخل من قبل الجمعيات التضامنية في زمن الأزمات: مجتمع يسيّر نفسه بنفسه المواساة والتكافل)
لقد انتهينا في هذه الدراسة إلى:
- أن مآدب المآتم حدثا اجتماعيّا تتميز بتعقيد ينصهر فيه الموروث الموغل في القدم مع ما هو اسلامي ومتأثرة بالتحولات في أنطاط التغذيّة الحديثة وكلّما تراجعت الرمزيّة في المآدب ظهرت أنماط جيدة في فائض الاستهلاك خاصة منها الأطعمة المعلبة الجاهزة والتي أكثر كلفة وهناك احترام شكلي للدين فحين أن هناك التزام بالموروث الشعبي كما لو أن الطقوس تعبت وتهرّت ولم يعد لها بريقها الرمزي وفاعليتها الاجتماعيّة.
- إن التدخل الأهلي في تنظيم مآدب المآتم هو شكل من التضامن بعد تراجع الأشكال التقليدية والاحتقار واللامبالات تجاه طقوس مآدب المآتم تعد صارخا على هوية المجوعات المختلفة دينيا او ثقافيا او حضاريا وهي بمعنى من المعاني اقصاء معنوي خطير (لا بد تنمية قيم من كرم الضيافة في ظلّ مواطنية الكونية تجنب كل صدام بين الأقليّات) وما تزال مآدب المأتم هي بمثابة خطاب سيمائي ودلالي.
- كلما حافظت العائلة على الاقتصاد المنزلي حافظت على تقاليد المآتم في بعدها التقليدي وتساعد طقوس الموت على المحافظة على هوية الطعام الدينية وتنبذ كل مظاهر الخروج عنها
* دراسة قدمت بمناسبة الندوة العلمية الاطعمة والإطعام والتراث الغذائي مقاربات متعددة التخصصات 11 و 12 جانفي 2022 بالمنستير.
** أستاذ وباحث جامعي من تونس متخصص في علم الاجتماع الأديان وانثربولوجيا الطقوس والاحتفال.
الهوامش:
[1]Raoul Darmon, La déformation des cultes en Tunisie S.A.P.I Tunis 1945 p 193 "Le soin des funérailles, le choix des sépultures, la pompe des obsèques, sont moins nécessaires à la tranquillité des morts qu'à la consolation des vivants" St Augustin, La cité de Dieu 1,12
[2]نقلا عن جيلبير، دوران الانثروبولوجيا رموزها اساطيرها انساقها، ترجمة مصباح الصمد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1991 بيروت، ص، 234
[3] أوصى الله آدم "بالأكل من جميع الشجر ما عدا الشجرة الأخيرة وهدّده بأنّه في اليوم الذي يأكل منها يموت....فذكر أن حيّة من هذه الحيوانات أغرت حوّاء على الأكل من شجرة معرفة الخير والشر فأكلت وأطعمت زوجها آدم فكان ذلك سببا لطردهما من الجنة وإسكانهما على سطح الأرض قصاصا لهما" هذا ما أوردته التوراة عبد العزيز الثعالبي، محاضرات في تاريخ المذاهب والأديان تقديم ومراجعة حمادي السّاحلي الطبعة الأولى دار الغرب الاسلامي بيروت 1985 ص 110 وورد في الآية 35 من سورة البقرة "وقُلْنَا يا آدم اُسْكُنْ أَنت وَزَوْجُكَ الجنَةَ وكُلاَ مِنها رَغَدا حيثُ شِئْتُما ولا تَقْرَبا هذه الشّجرة فتَكُونا من الظّالِمِينَ" لتفسير هذه الآية يمكن العودة إلى محمد الطاهر ابن عاشور،تفسير التحرير والتنوير، الجزء الأول/القسم الثاني الدار التونسية للنشر 1984 صص: 428-433 مع ضرورة الاشارة أنّه بالإمكان انجاز دراسة حول الطعام في القرآن الكريم واجراء مقارنات بين الأديان والحضارات. وهو ما نطمح انجازه مستقبلا.
[4] "ينطلق كلود ليفي ستراوس من فرضيّة أنّ هذا النّشاط (المطبخ) "يفترض نظاما يقع وفق طرق تتنوّع بتنوّع الثقافات التي نريد أخذها بعين الاعتبار في حقل دلالي ثلاثي الأبعاد، تمثّل زواياه النيئ والمطهوّ والمتعفّن كلود ليفي ستراوس، مثلث الطبخ النيء المطبوخ المتعفن ترجمة، جلال الرّويسي نشر في الشعب يوم 28 - 08 - 2010 نشر النّص الفرنسي الأصلي في مجلّة Le Nouvel Observateur, mars 1965, pp. 24-26 وأعيد نشره في عدد خاص Le Nouvel Observateur, Hors série, n 74, Spécial Claude Lévi-Strauss, Nov.-Déc. 2009, pp. 14-17 الرابط https://www.turess.com/resources/turess-favicon.png
[5] الفصل (148) (فسل امداد المتوفى (الخو) بالطعام في العالم السفلي ص 149 برت امهرو، كتاب الموتى الفرعوني (عن بردية آنى بالمتحف البريطاني) ترجمة عن الهيروغليفية الترجمة العربية والتعليق فيليب عطية الطبعة الثانية يناير 2000 مكتبة مدبولي القاهرة (269 صفحة)
[6] Arnold Van Gennep, Les rites de passage Etude systématique des rites Editions Picard Paris 1991.pp 209-236
[7]هذه الاشارة سنخصص لها مستقبلا دراسة مستقلة وهنا اكتفينا بالإشارة لأهميتها في فهم مآدب المآتم وتحولاتها.
[8] Salim Drici, «Genèse et permanence des pratiques funéraires de la préhistoire au monde antique en Afrique du Nord », Insaniyat / إنسانيات [En ligne], 68 | 2015, mis en ligne le 28 février 2017, consulté le 15 novembre 2021. URL : http://journals.openedition.org/insaniyat/15068 ; DOI : https://doi.org/10.4000/insaniyat.15068
[9] برونسلاف مالينوفسكي ، السحر والعلم والدين ترجمة : محمد الجورا الطبعة الأولى دار الحوار للنشر والتوزيع سورية1995 ص : 40
[10] هذا الرهان سبقت أن أشارت إليه رجاء بن سلامة، الموت وطقوسه تقول هي"أزمة الإنسان الذي لا يقبل موته ولا يتهيّأ له ولا يعتبره حدثا طبيعيّا" و تقول أيضا إنّنا اليوم "إزاء خليط نتبيّن فيه أحيانا بقايا القديم بما تراكم عليه من علامات ورموز فكلوريّة ص 8 كما نتبيّن فيه "أزمة الموت الحديثة" ص، 9
[11] السيّد الحسيني ، نحو نظريّة اجتماعيّة نقديّة . دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت 1985 ص : 246 اُنظر خاصة الفصل التاسع : فينومينولوجيا المجتمع : الفريد شوتز. إنّ الفينومولوجيا تتناقض مع التجريبية وهي تتساءل "كيف يمكن معرفة ما هو "حقيقي" عبر ضبط ذاتي؟ وهذا ما آلى إلى إعادة البداهة الذاتية في المقصد لأن الفينومولوجيا هي طريقة ترجع إلى الأشياء نفسها لوصفهاكما أنّها تبحث كيف تضع الفرد في علاقة مع الشئ المعيش؟ ومن هنا لا بدّ من الوعي المقاصدي الذي هو كما يقولG. Picon هي "شعاع يضئ الشئ" لأن كلّ "وعي هو وعي بشئ ما"
Voir Madeleine Grawitz, Méthodes des sciences sociales Editions Dalloz Paris 1993 pp : 10
[12] بيار أنصار، العلوم الاجتماعيّة المعاصرة ترجمة : نخلة فريفر المركز الثقافي العربي بيروت الدار البضاء الطبعة الأولى 1992 ص : 125
[13] Joseph Chelhod, Le sacrifice chez les Arabes recherches sur l’évolution la nature et la fonction des rites sacrificiels en Arabie occidentale.PUF. 1955 p : 14
[14] راجع السيّد الحسيني، نحو نظرية اجتماعية نقديّة مرجع سبق ذكره ص : 153 "أنّ علم الاجتماع الوضعي يسلم بفكرة "وحدة المنهج العلمي" الذي يمكن من خلاله دراسة الظواهر الطبيعية والاجتماعية بنفس الكيفية ونجد بدلا من ذلك التفسير الفينومينولوجي يحاول توضيح أهمية الافتراضات الشائعة الكامنة في التحليلات العلمية والوصول إلى منهج ملائم لفهم المغاني التي تنطوي عليها الحياة الاجتماعية ووضعها في اطار سوسيولوجي متسق"
voir aussi Durkheim (Emile) : Les régles de la méthode sociologique. Fammanrion France 1988 p : 108
[15] بيار أنصا العلوم الاجتماعيّة المعاصرة مرجع سابق ص : 124
[16] نفس المرجع والصفحة
[17] السيد الحسيني، الاتجاهات الفينومينولوجيا الحديثة في علم الاجتماع (تحليل نقدي) مجلة عالم عالم الفكر المجلد الخامس والعشرين-العدد الثاني أكتوبر ديسمبر 1996 الكويت ص : 78
[18] بيار انصار، العلوم الاجتماعيّة مرجع سابق ص: 125
[19] بيار إيرني اتنولوجيا التربية ترجمة عدنان الأمين معهد الإنماء العربي ليبيا 1992 ص :48
[20] Salvador Giner , op cit p : 154
[21]Patrice Bonnewitz, Premières leçon sur la sociologie de P. Bourdieu Presses Universitaires de France 1997 p : 8
[22] بما أنّنا نحن جزء من المجتمع فقد لاحظنا منذ طفولتنا إلى الأن ما يحدث مآدب المآتم من أبرزها أن أهل الميت يضعون آنية مملوءة كسكسي بالمرق والحمص واللحم خارج المنزل لأنّه بتشاؤم ببقائه في الداخل وكنا نسمع أن ذلك هو"عشاء الميت – كما كنا أن بعض العائلات لا تشعل النار أما بخصوص الفرق-يتكفل الجيران بتوفير الجيران الطعام لأهل الميت لأنهم محزونين.
[23]Luc Van Campenhoudt & Raymond Quivy Manuel de recherche en Sciences Sociales Editions Dunod, Paris 2011 p199
[24] Stéphane Beaud & Florence Weber : Guide de l’enquête de terrain Editions La Découverte Paris 1997 147-152-154
Jean Capans L’enquête ehhologique de terrain op cit p : 71 يمكن العودو في هذه النقطة إلى
أشار أن J. Middleton درس الظاهر الجماعية والطقسيّة ووصف عمليات الدفن لدى Ouganda Sugbara حيث حضر أغاني رقص ولم تسمح له الظروف أن يأخذ معلومات على عين المكتن ويتطلب الأمر الحضور عديد المرات لعمليات الدفن مما سمح بالتفكير في الممارسات الثقافية تجاه الموت حيث يمكنه أن يفهم ذلك كما أن الفاعلين عبروا عن تجربتهم من غير احراج.
[25] Ibid p : 164-165
[26]ميل تشيرتون وآن بروان، علم الاجتماع: النظرية والمنهج، ترجمة هناك الجوهرى، ط 1 ، المركز القومي للترجمة، 2012 – ص 547
[27]المرجع نفسه ص 577
[28]بوب ماتيوز، وليز روس الدليل العملي لمناهج البحث في العلوم الاجتماعية ترجمة محمد الجوهرى المركز القومي للترجمة الذبعة الأولى 2016 ص 724
[29]هي وجبة أو وليمة رسمية تميل إلى خدمة غرض مثل التجمع الخيري أو الاحتفال، وغالبًا ما ينطوي إما على الخطب تصفح الموقع يوم 15-11- 2021"https://mimirbook.com/apple-touch-icon.png "موسوعة اللغة العربية مأدبة (/ ŋbæŋkwɪt / ؛ الفرنسية: [bɑ̃kɛ])
[30] وحيد السعفي القربان في الجاهلية والإسلام بيروت الانتشار العربي تونس منشورات تبر الزمان الطبعة الاولى 2007 ص 248 القواميس العربية "تفنّنت في رصد أسما الطعام وخصّت كلّ احتفاء باسم من الأسماء"نميز في اللغة العربة بين العُرس = الوليمة الولادة الخُرس الشعر = العقيقة الختان العذيرة المأتم الوَضيمَةُ (الثعالبي، فقه اللغة وسر العربية، الباب الرابع والعشرون ص 266
[31]Lahbib Chebbi, Programme d’une étude sur la mort op cit p : 8
[32]Claude Lévi-Strauss p : XXVIII
[33] Michel Panoff & Perrin Michel () : Dictionnaire de l’ethnologie Payot France 1973 p : 105
[34] أنطر رجاء بن سلامة مرجع سابق ص : 128
راجع أيضا
- Michel Panoff & Michel Perrin , op cit p : 207
- Arnold Van Gennep , Les rites de passage Etude systématique des rites Editions Picard Paris 1991.pp : 209-236
[35] رولان بارط، المغامرة السيميولوجية ترجمة عبد الرحيم حزل الطبعة الأولى – مراكش 1993 دار تينمل للطابعة والنشر – مراكش ص 26 و27
[36] كلود ليفي ستراوس، مثلث الطبخ النيء المطبوخ المتعفن ترجمة، جلال الرّويسي نشر في الشعب يوم 28 - 08 - 2010 نشر النّص الفرنسي الأصلي في مجلّة Le Nouvel Observateur, mars 1965, pp. 24-26 وأعيد نشره في عدد خاص Le Nouvel Observateur, Hors série, n 74, Spécial Claude Lévi-Strauss, Nov.-Déc. 2009, pp. 14-17 الرابط https://www.turess.com/resources/turess-favicon.png"
[37]Jean-Didier Urbain,La société de conservation Payot Paris 1978 p : 17
[38]Michel Vovelle, L’heure du grande passage chronique de la mort. Gillimard .France. 1993. p: 103
يؤكّد نفس الرأيLouis-Vincent Thomas في قوله"سيصبح الموت مثل الجنس ماضيا : الممنوع الأساسي في العالم المعاصر"
Louis Vincent Thomas, Les sociétés devant la mort In «Encyclopaedie Universalis» corpus 12. France 1985. p : 668
وهذا ما اتفق حوله أغلب من كتبوا في الموضوع وهو اتفاق يعكس إلى حدّ ما هذا التشاؤم من الكاتبة عن الموت فهو إذن وبصفة موجزة "آخر محرم لمجتمعنا، بعد ما رفع محرم الجنس"
Voir Monica Charlot, vivre avec la mort. Editions Alain Moreau. France. 1976. p : 211
[39] ريتشارد شتايتباخ ، معنى الحياة والموت، ترجمة هدى موسي، الطبعة الأولى، دار الحوار للنشر والتوزيع سورية اللاذقية 1990 ص، 5
[40]Jules Vuillemin, Essai sur la signification de la mort. PUF. 1948. p : 309 .
[41] Marcel Mauss, Manuel d’ethnographie, Editions Petite Bibliothèque Payot Paris N 102 p 52
[42]نلاحظ ان لوي فنسان توماس استعمل عبارة الايديولوجيا الجنائزية وهي تستحق دراسة مستقلة
للايديولوجيا الجنائزية ثلاث خصائص : وهي الانسان كمشروع مشاركة حيوية «L’homme est comme projet de participation vitale» حيث يصبح كلّ ما يحيط بالموت متأثرا بما في تلك الأماكن والأشياء فضلا على الأفراد. ويمثل الإنسان نفسه قوّة «L’homme est lui même puissance» من خلال فعل الكلام. ويكون الموت انعداما لهذه القوة ومن ثمّ يتحوّل الموت إلى سلف يؤثر بعد موته بصفة غير مرئية. كما أن الحياة هي قبل كلّ شئ منتجة للمعاني«La vie est avant tout productrice de sens» ذلك أن العالم عبارة عن نسيج من العلامات وبما أن الموت ينتج اللامعنى والسلبية فإن دور الطقوس لتجاوز هذه الفوضى في المعاني تنتج ‘‘اللعب بالرموز"«Jeu des symboles» وتعتبر"الطقوس الجنائزية بمثابة استحكامات بارزة تقاوم مقاومة أفضل التثاقف«Acculturation»"
راجع
Louis-Vincent Thomas, La mort Africaine : Idéologie funéraire en Afrique noire Payot Paris 1982 p : 250
[43] Marcel Mauss, Manuel d’ethnographie, Editions Petite Bibliothèque Payot Paris N 102 p 54
[44]Pierre TRIPIER - François GRESLE - Michel PERRIN - Michel PANOFF : Dictionnaire des sciences humaines, sociologie , psychologie social, anthropologie. Nathan Université Française. 1992 pp : 221-222.
[45]Emile Durkheim, Les formes élémentaires de la vie religieuse Quadrige/Presses Universitaires de France 1994 p : 556
[46] Danilo Martuccelli, Sociologie de la modernité, L’itinéraire du XX Siécle Editions Gallimard 1999 pp : 61-62
[47] روجيه كايوا، الإنسان والمقدس، ترجمة (بيروت: المنظمة العربية للترجمة،) ص 142
[48] ا.ايفنز-برتشارد، الاناسة المجتمعية ديانة البدائيين في نظريّات الأناسيين، ترجمة حسن قبسي بيروت: دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الاولى 1986 صص 264 265
[49] رولان بارط، المغامرة السيميولوجية ترجمة عبد الرحيم حزل الطبعة الأولى – مراكش 1993 دار تينمل للطابعة والنشر – مراكش ص 25
[50] رولان بارط، المغامرة السيميولوجية ترجمة عبد الرحيم حزل الطبعة الأولى – مراكش 1993 دار تينمل للطابعة والنشر – مراكش ص 25
[51] رولان بارط، المغامرة السيميولوجية ترجمة عبد الرحيم حزل الطبعة الأولى – مراكش 1993 دار تينمل للطابعة والنشر – مراكش ص 27
[52] برنار توسان، ما هي السييولوجيا، ترجمة محمد نظيف أفريقيا الشرق المغرب- بيروت الطبعة الثانية 2000 (111 صفحة) ص 26
[53] بيار غيرو السيمياء ترجمة انوزان ابي زيد منشورات عويدات بيروت باريس الطبعة الاولى 1984 ص 122 (142 صفحة)
[54] تقديم الطعام لأهل الميت سنة سنَّها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عَبدِ اللهِ بنِ جَعفَرٍ، قالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ حِينَ قُتِلَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ أمْرٌ يَشْغَلُهُمْ-أَوْ أتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ) رواه الإمام أحمد وغيره، والمراد بأهل الميت أهل بيته، قال الإمام المناوي رحمه الله: "أراد اطبخوا واخبزوا لهم. فيندب لجيران الميت وأقاربه الأباعد صنع ذلك، ويحلفون عليهم في الأكل" "فيض القدير" (1/534)
. https://ajax.googleapis.com/ajax/libs/jquery/3.5.1/jquery.min
حكم الأكل من الطعام الذي يصنعه أهل الميت في العزاء أو الأربعينية تاريخ النشر : 16-09-2014https://islamqa.info/favicon.svg"
[55] محمد المرزوقي، مع البدو في حلهم وترجالهم عرض شامل لحياة البدو بالجنوب التونسي يشمل وصف حياتهم في الصحراء والقرية وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم الدار العربية للكتاب ليبيا – تونس 1984 ص 235
[56] تعتبر الأربعينيّة مناسبة لأقامة مأدبة مأتميّة تترافق مع قرآة القرأن وهذا ما اعتبر بدعة خاصة إذا ما ارتبطت بالتبذير والتباهي فتكون متضاربة مع مقاصد الشرع من جهة ومعبرة عن ذهنيّة وشركيّة من جهة أخرى حسب فتاوي أما إذا كانت مناسبة لاجتماع العائلة وتمتين الروابط الاسرية فذلك مرتبطة بالنية (الشيخ محمد مشفر، الفرق والأربعينيّة، جريدة الاسبوعي، ركن استشارات دينية 05 أفريل 2010) محمد الحبيب النفطي يسألونك قل جريدة البيان 19 جويلية 1999 حكم الشرع في مسألتين مختلفتين: الطعام في الاربعينية وتلاوة القرآن)
[57] IBLA 2°Année N°4 /Janvier 1939 CoutumesTunisoises : la mort عادات موت العاصمة p 59
اختصرت مجلة ابيلا IBLA في نقل بعض النصوص العامية من مخطوطات أو جمع بعض الألغاز ذات الصلة بالموت أو نقل لاجتهادات فقهيّة حول مسألة من مسائله أو بعض الممارسات والمعتقدات المترسّبة في الذهنيات الجماعية. كما نجد دراسة حول مفهوم الموت في التصوّف وهي دراسة تزودنا بمفاهيم الإسلام حوله وتحديدا لدى المتصوّفة
[58] IBLA 2°Année N°4 /Janvier 1939 CoutumesTunisoises : la mort عادات موت العاصمة p 61
[59] IBLA 2°Année N°4 /Janvier 1939 CoutumesTunisoises : la mort عادات موت العاصمة p 61
[60] محمد المرزوقي، مع البدو في حلهم وترجالهم عرض شامل لحياة البدو بالجنوب التونسي يشمل وصف حياتهم في الصحراء والقرية وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم الدار العربية للكتاب ليبيا – تونس 1984 ص 236
[61] Louis-Vincent Thomas, La mort, Presses Universitaire de France Troisième édition Paris 1995 93 (127 pages)
[62] أسماء البكوش في تونس.. الموت واحد والجنائز شتى09 مارس 2021 https://ultratunisia.ultrasawt.com .إخراج عشاء الموتى... طقوس رمضانية خلت ..ردود مختلفة في الرفض وفيها الاقرار بتواصل هذه العادة
[63] حليمة أبروك هكذا يودع المغاربة اليهود موتاهم.. 5 طقوس خاصة
https://www.maghrebvoices.com أكتوبر 201703
تسفح الموقع 19-11-2021
[64] Hilali ArbiaLes rites autour de la mort: les repas funéraires en Afrique du Nord antique Posté le: juin 18, 2017 Dans: Dossiers, Fêtes et rituels, La mort http://montagnedesdieux.com/les-rites-autour-de-la-mort-les-repas-funeraires-en-afrique-du-nord-antique/
[65]Louis-Vincent Thomas , La mort Africaine op cit p : 251
[66] René Girard La violence et le sacré Editions Bernard Grasset, Paris 1972 p353 481 pages "Un seul être meurt et la solidarité de tous les vivants se trouve renforcée"
* لقد سمعنا من يقول لأخيه الذي لم يزره مدّة طويلة : هل عرفت إبني الصغير إنّه كبر؟ ثمّ ينادي لإبنه وتم اللقاء
[67]Julien Potel, Les funérailles une fête? Que célèbrent aujourd’hui les vivent? Les Editions du Cere Paris 1973 p : 7
Voir aussi Traki Zannad, Symboliques corporelles et espaces musulmans CERES Productions 1984 pp : 97-98
[68] Ibid p : 123
[69] Jean-Claude Kaufmann : Le repas est le petit théâtre des famille https://medias.psychologies.com/" Mis à jour le 29 octobre 2021 à 09:58 Par Ségolène Barbé
[70] Annick Barrau, Mort à jouer. Mort à déjouer Socio-anthropologie du mal de mort. Presses Universitaires de France. 1994.p : 109
[71] Harold Portnoy, L’argent et l’imaginaire. Edition Entente. France.1975.p : 13.
[72] Emile Durkheim, les formes élémentaires de la vie religieuse op cit p : 598
[73]Raymond Jamous, Honneur et Baraka :les structures socioles traditionnelles dans le Rif. Editions de la Maison des sciences de l’homme and Cambridge University Press.Paris 1981.p : 175.
[74]بلقاسم الطبابي، الموت في مصر والشام (1250-1517) الجزء الثاني الدار التونسية للكتاب تونس ، 2014، 266 صفحة ص 116
[75]Ibid p : 176
[76] سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيسي بن سورة ص :389
[77] Sigmund Freud Métapsychologie Gallimard France 1969 p 148
[78]Georg Simmel Philosophie et société J. Vrin1987p 166
[79] يمكن دراسة هذا الجزء في دراسة مستقلة بالبحث في الألم من خلال التعبيرات العامية ومن خلال الطقوس المطمئنة هو بمثابة خطاب له مرجعيات عديدة من أهمها الدين، ولهذا فإن هذا العمل البحثيّ سيحرص على اعتماد تعددية المناهج وتداخلها (التفاعلية الرمزية والاتنومتودلوجيا، من أجل دراسة وتحليل ظاهرة الألم كمعطى معاش في إطار نسق تفاعلي رمزي وثقافي واجتماعي وقانوني) ويسعى من جهة أخرى إلى الاستفادة والإثراء من التخصصات المهتمة بالخطابات العلمية ومنها الخطابات الأدبية.
[80] أفاية (محمد نور الدين) : المعقول والمتخيّل في الفكر العربي المعاصر مجلة دراسات عربية عدد 160 السنة 6 مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 1992 ص : 15
[81] راجع موقع https://www.shmlool.com تفسير حلم اطعام الميت لابن سيرين والنابلسي
وايضا عبد الغني نابلسي، تعطير الأنام في تعبير المنام. شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر1940 جزءان. وبهامشه كتابان : منتخب الكلام في تفسير الأحلام لمولانا محمد بن سيرين من علماء القرن الأول الهجري. والإشارات في علم العبارات لسيد خليل بن شاهين الطاهري من علماء القرن التاسع الهجري.- ابن سيرين : كتاب تفسير الأحلام.مكتبة المعارف. بيروت بلا تاريخ
البحث من خلال كلمة طعام
ابن سيرين : كتاب تفسير الأحلام.مكتبة المعارف. بيروت بلا تاريخ
[82] Chadly Ben Abdallah, Fêtes religieuses et rythmes de Tunisie (33 illustrations d’époques) J. P. S Editions 1988 p:24
يرى الكاتب أنّها سميت بذلك الإسم لأنّ إسم اللوحة هو اللوحة التي يكتب عليها الطفل القرآن في الكتاب
[83] Ibid p : 24
[84]محمد المرزوقي، المرجع السابق ص :188
[85] تجدر الاشارة هنا وفي نطاق تشجيع الطلبة الذين نؤطرهم أني اخترت بعض مقابلات أجراها الطالب صالح أحمد في مذكرة في البحث تحت عنوان " الكسكسي " في منطقة طينة. مقاربة سوسيو-انثروبولوجية حول الأكلة الشعبية مذكرة مقدمة لنيل شهادة: الإجازة الأساسية لعلم الاجتماع اختصاص ثقافة وعائلة واتصال تحت اشراف الأستاذ : الحبيب النهدي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس قسم علم الاجتماع اعداد الطالب : السنة الجامعية 2018-2019 37ص
22-23-24
[86] المرجع نفسه ص :66
[87] ChadlyBen Abdallah Fêtes religieuses et rythmes de Tunisie (33 illustrations d’époque) J. P. S. Editions 1988 p : 44
[88]فرج الله عبد الباري، يوم القيامة بين الاسلام والمسيحية واليهودية الجزء 1دار الآفاق العربية ص 302-303 أيات تسير إلى طعام أهل النار "إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الْأَثِيمِ" سورة الدخان، آية: 43-44. "فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ*وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ*لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ"سورة الحاقة، آية: 35-37 "لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ*لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ"سورة الغاشية، آية: 6-7
[89]ابو حامد الغزالي كتاب الموت من احياء علوم الدين تقديم رضوان السيد بيروت 1983 الطبعة 1 ص 291 آيات تشير إلى طعام أهل الجنّة: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" المرسلات: 41-42 وقال تعالى: "كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ"الحاقة: 24. وقال تعالى "وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ"الزخرف: 72- 73 "مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا " الرعد: 35 قال تعالى"يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" المطففين: 25-26."عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا" الإنسان: 18
[90]ابو حامد الغزالي كتاب الموت من احياء علوم الدين تقديم رضوان السيد بيروت 1983 الطبعة 1 ص 292
[91]بلقاسم الطبابي، الموت في مصر والشام (1250-1517) الجزء الثاني: الدار التونسية للكتاب تونس ، 2014، ص 118
[92]بلقاسم الطبابي، الموت في مصر والشام (1250-1517) الجزء الثاني: الدار التونسية للكتاب تونس ، 2014،ص 118
[93]بلقاسم الطبابي، الموت في مصر والشام (1250-1517) الجزء الثاني: الدار التونسية للكتاب تونس ، 2014،ص 119
[94]بلقاسم الطبابي، الموت في مصر والشام (1250-1517) الجزء الثاني: الدار التونسية للكتاب تونس ، 2014،ص 119
[95] Michel Panoff& Perrin Michel, Dictionnaire de l’ethnologie Payot France 1973 p : 105
[96]Mircea Eliade, Les sacré et le profane Editions Gallimard France 1996 p157 (185p)
[97]لويس فانسان توماس ص 153
[98]Maurice Aymar. Espaces In «La Méditerranée: l’espace et l’histoire. Sous la direction de Braudel Fernand. Flammarion France 1985 pp : 211-212
[99]فرج بن عبد القادر الدواس، بلدة الحمّام في الذاكرة دار سحر للنشر، تونس 2013 267 صفحة ص 151
[100] محمد بيرم الخامس القطر التونسي في صفوة الاعتبار بمستودع الامصار والاقطار تحقيق علي الشنوفي عبد الحفيظ منصور رياض المرزوقي المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات بيت الحكمة قرطاج 1989 520 ص "اهداء الاكل لأهل الميت ايام موته" ص 398
[101] Hilali ArbiaLes rites autour de la mort: les repas funéraires en Afrique du Nord antique Posté le: juin 18, 2017 Dans: Dossiers, Fêtes et rituels, La mort http://montagnedesdieux.com/les-rites-autour-de-la-mort-les-repas-funeraires-en-afrique-du-nord-antique/
[102] كتب صالح القرمادي، اللحمة الحية، دار سيراس، تونس 1982 "ولا تأكلوا في فرْقي المقرونة والكسكسي....فقد كانا اشهى أطعمة حياتي ....ولا تذروا على قبري حبوب التّين......لتأكلها طيور السماء.....فالأحياء أولى بها" من قصيدة نصائح إلى أهلي بعد موتي ص 20
[103]Michel Vovelle, L’heur du grande passage op cit p : 16
[104] تمت العديد من المقابلات المنظمة والمبرمجة أو العفويّة مقابلة مع (مختار ن، 75 سنة عبّر على أنّه يعاف "عشاء الميت" ولا يريد الأكل منه أو الاقتراب من مآدبه، ويبرر ذلك بأنّه "مشو باهي" وعادة سيئة مشي من دينا" "أي "ليس جيّدا هي عادة سيئة ليست من الدين من شيء" في مقابلة أخرى علي م 55 سن" "عادة لم يجيزها الاسلام وافتى فيها الفقهاء ببطلانها" لكن هناك مقابلة مع ربيعة 50 عبّرت على أنها لا ترى ممانعا من ذلك "هي جرت به الوايد ومافيهاش ما يضر علاش لا" استاذ 57 سنة قال: "حفلات والاعرس طاجين "تبت العادات وغابت العبادات"طالبة 24 سنة قالت هذه العادة لا تزال موجودة في تونس العاصمة وانا ربما ان لم اكل فذلك يعود الى ضرورة احترام حزن الاخرين وهناك ما يقول ام الميت رجل صالح إذا كا الطعام لذيذا واشارت ايضا ان الطعام لم يعد بسيطا بل فيه تفنن (طاجين ومشروبات اصبحنا وكاننا في عرس طالب 23 قاطعها كأنهم فرحون بالميت ضاحكا البعض من المعزين لم يعد ياتون بالطعام وانما يكتفون باعداء المال ليتكفل اهل الميت بالشراء لوازم الطعام وقد تكون اطعمة من المطاعم) تحدث بعض الذين تقابلت معهم عن علاقة مآدب المآتم والسحر وهي ورقة أخرى لا بدّ من فتحها وتحدث أيضا عمن يضع قارورة الخمر تحت رأس الميت لأن بعد ذلك من يشرب منها فإنّه مباشرة سيعافها وينقطع بالتالي عن شرب الخمر
[105]René Girard La violence et le sacré Editions Bernard Grasset, Paris 1972 p353 481 pages "Un seul être meurt et la solidarité de tous les vivants se trouve renforcée"