لا شك أن مايقع في تونس بعد يوم 23 أكتوبر موعد انتخاب المجلس التأسيسي، له تميز خاص دون البلدان العربية الأخرى التي جرت في عروقها دماء الثورة.. وقد قلنا في مقال سابق أن ما جرى في تونس من ثورة حتى ذلك الموعد يمكن توصيفها بالظاهرة الغير مسبوقة في التاريخ عموما.
كانت في تونس غضبة كبرى ليس فقط على قوات الأمن والشرطة لما مارسته من قمع وقتل طيلة ثلاثة عقود، بل كذلك حجم واتساع التحرك الشعبي وقوة المواجهة بين الشعب وأجهزة الأمن ، ما جرى خلال شهر فاق كل التوقعات ولا نعتقد أن أحدا يزعم بأنه كان يتوقع صيرورة الأمور إلى ما صارت إليه. ولأن الأمور سارت بهذه الوتيرة السريعة فإن غالبية التحليلات والتعليقات في تلك الفترة أتسمت بالإنفعالية والعاطفة أكثر مما هي ناتجة عن دراسات معمقة.. وعليه فإنه من الصعب الحكم بأن المشهد الذي جرى في تونس حتى موعد الإنتخابات سيتكرر بنفس الشكل ولو في دولة عربية وحيدة.
مطلوب حماية "الفكر الذى نُبْغِضُ" ـ حازم خيري
"إذا كان ثمة أي مبدأ في الدستور يستحق بصورة أكثر إلزاماً
تعليق أهمية عليه أكثر من غيره فهو مبدأ حرية الفكر ـ ليس
حرية الفكر لمن يتفقون معنا ولكن حرية الفكر الذى نبغضه"
القاضي الأمريكي
أوليفر وندل هولمز
في عدم اكتراث واضح بطبيعة التحولات الراهنة في عالمنا العربي، وفي تجاهل شبه كامل لما تشي به هذه التحولات من زحف غربي مُنظم ومدروس نحو جوهر الحضارة الاسلامية، تمضي مجتمعاتنا شديدة ضيق الأفق وشديدة الافتتان نحو مصيرها المحتوم بدمٍ بارد، كعملاق سائر، أصم لا يسمع، أعمى لا يرى!
الغربيون ولا شك استفادوا من جهود العلامة الفرنسي أرنست رينان، ووصفه الإسلام بأنه مفتوح كله على الحاضر، وهو ما تُعول عليه قوى الإسلام السياسي كثيراً، وأن النبي محمد بعيد كل البعد حتى عن مجرد التظاهر بالقداسة، مقارنة بالديانتين اليهودية والمسيحية، فلا أسرار ولا كهنوت ولا بركات تُقدم!
أيام من سنة بلا رأس ـ عمر قرطاح
17 دجنبر
على الشريط أسفل الشاشة تتوالى الأخبار..لا جديد يذكر.. و مذيعة الجزيرة الإخبارية لا تتوانى عن إعطاءك جرعتك اليومية من الكآبة والتفصيل الممل والأسئلة التي تشبه أسئلة المحققين ..وحتى من الجمال الذي لا ينتبه له إلا من صم أذنيه عن أخبار القتل والتشريد والأزمات ونظر في عيني تلك المذيعة وجهها الذي يبعث على الارتياح..على الشريط تتوالى الأخبار المتنوعة لكنها تشترك في كونها أخبار غير مفرحة ، مما جعلني أتساءل هل العالم حقا استحال كومة كبيرة من الحزن والظلم والفساد..أم أن الجزيرة تهوى جمع القمامة وانتقاء أجود الأحزان وتعقيد الحياة عنوة..ها هو خبر آخر محزن جدا وغريب ومقزز " شاب تونسي يحرق نفسه تنديدا بما تعرض له من ظلم "..حينها تخيلت المنظر .. شخص باختياره يصب الزيت على نفسه ويشعل النار.. يا لجرأة الفكرة.. بماذا كان يفكر ساعتها ؟ أغلب ظن أنه مجنون أو شخص من أولائك الذين يهوون لعبة "المخاطرة".. ولو أن الخبر لم يعد في ذلك اليوم مرات كثيرة وعلى قنوات متعددة لكنت نسيته كما أنسى كل تلك الغرائب التي أشاهدها على اليوتوب ، والتي مهما شدتك وفاجأتك تنساها بمجرد انتهاءها وكأننا ما عدنا نستغرب شيئا في زمن الانترنيت.. حتى ولو كان الخبر يتعلق بإنسان أحرق نفسه.. لكن إعادة الخبر عدة مرات وهذه المرة مرفوقا بالصور جعلني اهتم وأبحث ..الأمر فعلا كبير خصوصا عندما تفجرت مظاهرات في سيدي بوزيد -المدينة التي شهدت الحدث- ثم عرفنا فيما بعد أن ذلك الشاب المحترق يدعى "محمد البوعزيزي"
الثقافة والسياسة في تونس ـ د. عزالدين عناية
ثمة رأي شائع عند التطرّق بالحديث عن الثورة التونسية، وأجزم أنه خاطئ، مفاده أن الثورة اندلعت بدون قيادة، وبدون سياسة، وبدون ثقافة... الواقع أن حالة البدون أو حالة الخواء لا تولّد إلا السكون. لذلك تبدو سوسيولوجيا الثقافة مدعوة بإلحاح لإخراج الحدث الثوري من حيز التبسيط والابتذال والتسطيح للإجابة عن سؤال: من أين تدفّقت الثورة وأيّ جداول غذّتها؟
***
أذكر اليوم الذي خابرتني فيه الزميلة الإيطالية إيزابيلا كاميرا دافليتو وهي خاسئة حسيرة، على إثر زيارتها للملحق الثقافي في قنصليتنا العتيدة في روما، بعد أن كانت تظن أنها ستزفّ إليه بشارة سارة بترجمة رواية "دار الباشا" للكاتب التونسي حسن نصر. لم يعبأ بها أحد لا الملحق، ولا القنصل، ولا جميع المخبرين، ممن كانت تعج بهم القنصلية حينها. من يومها شرّقت كبيرة المترجمين الإيطاليين بعد أن همّت أن تُغرّب. وتأكّد لديها أن تونس قد تحولت إلى مستنقع آسن. غير أنها بعد الثورة عاودها الحنين إلى تونس، فما فتئ الشابّي يغويها بالترجمة. من هذا الباب حريّ أن نمتن علاقات تونس الجديدة بالنافذين في مجال الفكر والأدب والترجمة في العالم، إن كنا نريد خيرا لثقافتنا.
المتغير العربي ونضوج الحركة الإسلامية ـ د. علاء فوزي أبو طه
لم تكن الحركة الإسلامية في يوم غائبة عن المشهد السياسي في العالم العربي كما يدعي الكثير بأنها حركات وليدة لحظة تاريخية قريبة بعدما طفت على السطح الحركة العلمانية خلال القرن العشرين، ومع طفرة فكرة القومية كفاعل بنيوي أساسي في الفكر والحركة السياسية، ومع تصدر فكرة الاشتراكية في حقبة المد المادي للكتلة الشيوعية، وما رفد منها من مسالك متعددة لتكوين النظم، وما كان متجلياً بانعكاسه على الصراع الثنائي بين الشرق والغرب، و الظروف الدولية التي أنتجتها الحرب الباردة، وما تلاها من انهيار للمنظومة الاشتراكية أمام اتساع القناعة بالفكر الليبرالي.
يمكن القول أن المنطقة العربية شهدت على المستوى السياسي عاملا جاذبا لانعكاس ما يشهده العالم من تغيرات فكرية وسياسية واقتصادية، بدأت هذه القابلية للتأثر المباشر مع انهيار الإمبراطورية العثمانية آخر حالة تعترف بأنها خلافة إسلامية، وانكشفت أكثر مع مشروع سايكس_بيكو (1919) الذي أوجد "الدول" العربية القائمة الآن، كانت خلالها السياسية العربية سياسة قبلية، ملكية، ثيوقراطية، وكانت معها الظروف تسمح بوجود هذه الأنماط من الحكم السياسي نتيجة لعدم تبلور مشروع انعتاقي تقوده نخبة متنورة تدفع بالمجتمعات العربية نحو نماذج تحاكي ضرورات المستقبل وتحدياته، ومع عودة الغرب للاهتمام بالمنطقة أوجد دافع خارجي، فتظافر المخاض الداخلي العسير داخل المجتمعات العربية مع الأطماع الخارجية، رغم اختلاف توجهات وأهداف كلاهما، إلا أن نقطة الالتقاء كانت لدى الحركتين تتمحور حول حتمية التغير.
سؤال السيادة .. يبحث عن إجابة! ـ نواف المحمدي
يقول علماء المناهج إنه لمن الصعوبة بمكان أن يكون الباحث محايداً طالما أن هناك عوامل بيئية وجبرية تؤثر على طريقة تفكيره، ولذلك نجد أن إنصاف الغير المخالف لنا في الرأي عزيزٌ ونادر، ولكن مع هذه العقبات الكؤودة فيما يخص مسألة البحث الموضوعي فالواجب أن نسدد ونقارب آملاً في الإقتراب من الحقيقة، هذا مع علمنا بأن الحقيقة المطلقة أمرها لله وحده.
أقول قولي هذا، وفي ذهني الاعتراك السائد بيننا الآن فيما يخص مسألة السيادة، وهل تكون للشريعة الإسلامية وحدها، أم أنه لا بد أن يكون للأمة منها نصيب، واعتقد أن المعارك التي دارت في هذا الصدد جاءت جلها انتصاراً للذات وإبرازاً للعضلات وإظهاراً للفتوة الفكرية ، وكان التجرد والبحث عن الحق فيها قليل جداً، مع أن القضية موضوع النقاش ليست بالجديدة ،وإنما هي معادً من القول مكرورُ، فقد لاكتها الألسن واجترتها العقول وأشبعت تنظيراً ، بل بعض محاورها حكته لنا التجربة العملية على مدار سنين طويلة وبأساليب متباينة وفي أزمنة وأماكن مختلفة ، وحررت بشأنها شهادة مجانية لم تحتج لجهد مجتهد ، فما أظن أن ضوء الشمس يخفى إلا على من به رمد.
إعادة التفكير في السياسة ـ زهير الخويلدي
" ان الديمقراطية أكبر من أن تكون مجرد رخصة للاحتفاء بالاختلاف ، فهي نظام سياسي من الثقة المتبادلة والالتزامات الأخلاقية المشتركة"[1]
تكاد هذه السنة 2011 تنقضي وتحمل معها العديد من التقلبات والعواصف على الصعيد السياسي ، فبعد الثورة الشعبية التي غيرت العديد من الأنظمة العربية وأفضت الى انتصاب سياسي حزبي وحقوقي تعددي وبعد تنظيم انتخابات شفافة أصبحنا نرى بالعين الملموسة الآن تناقضا بين الاسلاميين والعلمانيين، وأول الدروس المستفادة هو تشكل قانون لعبة جديد في الصراع السياسي وبروز قوى اجتماعية كانت الى حد الأمس القريب مقصية من الحراك والمشاركة وانفلات للمكبوت من عقاله وتصاعد موجات التشنج والاقصاء المتبادل وتكاثر الاحتجاجات المطلبية والاضرابات والاعتصامات وحدوث أزمة في التصرف في الحرية وفي تصور المواطنة وسوء فهم لشروط الاندماج في الفضاء العام.
كما تشهد البورصات السياسية العربية أزمة خانقة تنبئ بإفلاس إجتماعي وشيك نتيجة هبوط حاد في مؤشر التيارات الحداثية وارتفاع مؤشر التيارات الدينية بسبب الإقبال الكبير عليها من قبل الشعب في الانتخابات ودخول المعسكر المقابل في صراع حامي الوطيس معها.
إشكـالات مرتبطـة بموضـوع ظاهرة الهجـرة الخارجيـة: إشكاليـة الهـوية أُنمـوذجـاً ـ محمد المستاري
إن قضية الهجرة من المواضيع الجديرة بالاهتمام والدراسة الدقيقين، وذلك من حيث كونها أصبحت ظاهرة أشد استفحالا وحدة في ظل الراهــن. بالإضافة إلى ما تفرزه من إشكالات عميقة على مستوى مناحي متعددة بفعل زيادة معدلاتها وكثافتها، وحدة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المترتبة عنها، ما يبرز بأنها ظاهرة معقدة ومربكة بكل المقاييس من حيث تعدد دوافعها واختلاف أشكالها وارتباطاتها بإشكالات جمة وعميقة من قبيل إشكالية الهوية؛ والعنصرية؛ والاندماج والتهميش الاجتماعيين؛ والبطالة؛ والتجنيس؛ والتضخم السكاني، وغيرها من الإشكالات العويصة والمشوشة التي تنفرز عن هذه الظاهـرة (الهجرة).
هـذا، وإلى جانب صعوبة العمل على اقتراح حلول وتداعيات وتوصيات اجتماعية وسياسية واقتصادية بصفة شافية للحد من استفحال مشاكل هذه الظاهرة التي ترتبط بوضع الإنسان.