أنفاس

28
الأربعاء, ماي
0 مواد جديدة

ذَاكِرَةٌ مِنْ ذَهَبْ – شعر: محمد منير

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

زَنَابِقُ زَرْقَاءُ اخْتَرَقَتْ نَوْمَهُ
تَحْمِلُ عَنْهُ ظِلاَلَ سِرْبٍ مِنْ ظَلاَمٍ
وَلَدِي يَحْلُمُ، قَالَتْ أُمُّهُ
تُلَوِّنُ الذَّاكِرَةَ الصَّغِيرَةَ بِأَطْيَافٍ مِنْ حُلْوِ الْكَلاَمِ
شُهُبٌ مُبَعْثَرَةٌ وَأَجْرَامٌ، تَحْكِي أُمُّهُ
كَمَا تَتَزَيَّنُ السَّمَاءُ فِي عُرْسِهَا لِلْمَسَاءِ
وَكَمَا أَجْهَشَتْ بَسْمَةٌ خَلَطَتْ لِقَاءَ حُبٍّ بِوَدَاعٍ
وَكُرْسِيُّهُ الْأَحْمَرُ يَرْقُصُ عَلىَ إِيقَاعِ جَنَاحَيْ سُنُوْنُوَّةٍ
هَذِهِ الزَّنَابِقُ تَكَادُ تَفُوحُ فَرَحًا بِعَوْدَةِ الْعَصَافِيرِ
هَلْ سَيَكُونُ مُتَّسَعٌ فِي حُلْمِيَ الطَّوِيلِ لِكُلِّ هَذِهِ النُّجُومِ ؟
هَلْ سَتَكُونِينَ لِي كَمَا كُنْتِ مَعِي دَوْمًا ؟

قَالَ الْوَلَدُ وَهْوَ يسْأَلُ أُمَّهُ
فَنَحْنُ الْآنَ سَالِمِينَ مِنْ كُلِّ الزَّائِرِينَ وَالْعَابِرِينَ الْمُحَدِّقِينَ
نَحْنُ الْآنَ يَا أُمِّي كَبُرْنَا بِمَا يَكْفِي لِنَلْعَبَ لُعْبَتَنَا الْمُفَضَّلَةَ
فَكُلَّمَا حَاقَتْ بِنَا أَسْيِجَةُ الزُّوَّارِ، أَوْ تَغْرَقُ فِي لُعَابِنَا الْأَفْوَاهُ
نَهْجُرُ أَجْسَادَنَا الْمُعَطَّلَةَ حِينًا، أَوْ نَحْمِلُهَا حِينَ لاَ يُسْعِفُنَا الْوَقْتُ
نَتَلَمَّسُ خَيْطًا وَرْدِيًّا لِلْغِيَابِ وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ لَنَا رُؤْيَاهُ
فَنَدُكُّ بِالْأَكُفِّ عَلىَ الطَّاوِلَةِ، وَبِالْكُؤُوسِ نَدُقُّ
وَنَحُكُّ عَلىَ الْبَلاَطِ بِأَجْسَادِنَا، وَبِأَذْيَالِنَا نَحُكُّ
بَسَمَاتُنَا نَظَرَاتُنَا بَيْنَنَا بَرِيقُ حُبٍّ يَتَنَاثَرُ فَوْقَ الْأَعْيُنِ وَالشِّفَاهِ  
أَحْلاَمُنَا تَسْبِقُ كُلَّ الشُّهُبِ الْهَارِبَةِ مِثْلَنَا مِنَ النَّظَرَاتِ
وَتَحْمِلُ كُلَّ الْغُرَبَاءِ مِنْ حَوْلِنَا إِلىَ كَوْكَبِنَا الْمُعَطَّرِ بِالْفَرَحِ
نَضْحَكُ وَنَحْكِي لِلصَّاعِدِينَ نَحْوَنَا قِصَصًا كَانَتْ حَزِينَةً
أَتَعْلَمِينَ يَا أُمَّاهُ؟
لَقَدْ كُنْتُ هُنَاكَ فِي الْفَصْلِ أَمَامَ الزَّائِرِينَ فَلَمْ يَرَوْنِي
وَكَانَ الزُّمَلاَءُ قَبْلِي فِي الْفَصْلِ وَهُمْ يَفْرُكُونَ جُفُونَهُمْ
بَارِدٌ هَذَا الْبَلاَطُ يَا أُمِّي، وَمَوْكِبٌ مَارِدُ
نَشَازٌ هَذَا النَّشِيدُ يَا أُمِّي، وَزَائِرٌ شَارِدُ
لاَ عَلَيْكِ يَا أُمَّاهُ
فَلَمْ يَتَسَرَّبْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الدُّخَانِ إِلىَ أَجْسَادِنَا
إِلاَّ كَرَعْشَةِ قَطْرِ النَّدَى عَلىَ الْأَزْهَارِ النَّائِمَةِ
فَقَرِّي عَيْنًا يَا أُمِّي،
وَنَامِي قُرْبَ أَيَّامِي وَقُرْبَ دَفَاتِرِي نَامِي
وَغَذِّي بِأَنْفَاسِكِ تَنْهِيدَةً هِيَ الْآنَ مَعِي دَالِيَّةً مِنْ عِنَبٍ
فَلاَزَالَتْ نَسَائِمُ عِطْرِكِ حَوْلِي تُحَاصِرُ كُلَّ الزُّوَّارِ
وَتُؤْنِسُنِي فِي رِحْلَتِيَ الْقَصِيرَةَ فِي ذَاكِرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ
هُنَا كُلَّ صَبَاحٍ يَا أُمِّي سَفَرٌ جَدِيدٌ وَبَسْمَةٌ وَنَعْنَاعٌ
هُنَا زَغَارِيدُ الْأُمَّهَاتِ يَا أُمِّي دَنْدَنَاتُ حُبٍّ وَإِيقَاعٌ
عَانِقِينِي يَا أُمَّاهُ بِكُلِّ الْفُصُولِ الَّتِي أَزْهَرَتْ أَيَّامَنَا
وَقَبِّلِي وَجْنَتِيَ الصَّغِيرَةَ بِكُلِّ الْأَسْرَارِ الَّتِي رَسَمَتْ فِرَاقَنَا
هَلْ سَتَكُونِينَ لِي دِرْعًا وَقَلْبًا مِن حَدِيدٍ  
هَلْ سَتَلْحَقِينَ بِي كَمَا لَحِقَتْ بْي ذِكْرَيَاتُكِ
فَأَنْتِ مَنْ كَانَ يَقْرَأُ لِي وَصَايَا آخِرِ الْفُرْسَانِ
وَأَنْتِ مَنْ هَمْهَمَ لِي بِآخِرِ الْكَلِمَاتِ

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟