
كانت كما القمر الذي اكتمل نضوجه، فارعة، سامقة. وجنتاها صبغت بحناء تناسق مع تلك الخصلات الكستنائية اللذيذة. تغني مواويل وتضرب العود (أووف يا وطني أووف)، ونحن نردد خلفها بصوت مرتفع (أووف).
لم تكن تنظر إلى أحد سواي خلال تلك الجوقة الملتفة حولها كطوق كبير، ربما ظنت في قرارة نفسها بأنني الوطن الذي سيحتضنها، وعندما ستراني فإنها سترى قلاع المخيم كلها، لكنها –ولسذاجتها المحببة إلى قلبي - ترفض أن تفهم أنني لن أعود إلى رحاب الأهل والبندقية. أخبرتها بذلك قبل وقت قريب، حين حصلت على إقامة في هذا الفراغ المريب المسمى فرنسا، سألتني يومها متكدرة:
- أسنعود للوطن؟!
لم أعرف كيف الجواب، حارت قافلة الكلمات في الخروج من قمقمها، راودتني صور شتى، أي وطن تريدين ونحن نمكث في صومعة من حزن، كررت سؤالها كغبي لن يفهم، هل أقارنها بي؟ وطنها بوطني، حدقت بوجهي وقد بدت علامات الارتياب تتملكها، لحظتها كأنني تأوهت من برد حاصرني، أو من شيء لا أعرفه الآن. قالت:
- أأنت مريض؟