كنا ننذر النذور وندعو ، وكنا نتضرع لكل شي ء مقدس أو غير مقدس مما لدى الكبار ، إنسانيّا كان أم حيوانيا ، نباتيّا أم حجريا ، حياّ أم ميتا ، على عادة الأطفال غير المسؤولين عن شيء وغير الملتزمين بشيء . والذين هم على العموم لايؤمنون بشيء أكيد سوى ما يلبي حاجاتهم . كل ذلك لأجل أن يأتي العيد ويمر دون منغصات تكبل يديه فلا يعطينا ما نأمل أن يأتي به لنا ، وهو كثير جدا وكبير ، باعتقادنا كأطفال صغار .
في فترة طفولتنا ومراهقتنا الأولى كان يتزامن مجيء العيد مع غزارة المطر فكنا نتضرع مثلا أن لا يأتي العيد مع أيام المطر ، الذي كان يعبث بأراضينا الترابية فتضيع فرحتنا باللعب واللهو الذي كنا انتظرناه على مدار عام كامل . وندعو بأمل أن يمر العيد ليحمل معه سرطانات الحرمان ويمضي بها بعيدا في بلد لم يكن فيه غير الألم أرجوحة ، وغير الحزن حمارا ، نمتطيه أو ديلاب هواء نركب فيه ويدور بنا دورة الزمن ، وغير الفقر ، ملابسا ملونة أو مبلغا صغيرا من المال نرتاد فيه سينما الكرنك أو الرشيد أو سينما الحمراء والأطلس .
أيها السعداء...عذرا – قصة : غسان الكشوري
جلس ليلة أخرى يلاعب قلمه بأصابعه على شفا ورق أبيض لا يعرف ماذا سيفعل أو من أين سيبدأ …؟
هذا هو حال "سعيد" الذي كلما خلا بنفسه حار في أمر حاله. لم يكن لديه أي تكوين عالي أو شواهد أدبية معتمدة إلا سنوات قليلة من براءة التعليم الأول. لكن هذا لم يمنع فكره من أن يطوف حول كتابة قصص وأشكال عن أشياء تجول بخاطره ، كان يفضل أن يخربش على أوراقه بدلا من أن يكتفي بهموم وأخبار الناس… يكتب أو يرسم أو يهندس أشكالا من عالمه…المهم عنده أن يلتقي القلم والليل في ساحة الورق يتمرد بهما على حاله .
ترك دراسته وهو في سن مبكرة لظروف عائلية فخرج إلى الشوارع يجوب زواياها قبل حلول وقتها، إذ كان يسعى للـُـقمة عيشه حين تركته أمه مع أبيه الذي كان مصابا بمرض السـل. لم يكن في اختياره غير أن يقتحم عالم الشغل بمناخه المتقلب. لكن السنوات القليلة بعد ذلك أبت إلا أن تـُـبـين عن قسوتها عليه حين خطفت والده وهو في ريعان أبوبته فزادت من حزنه، فلم يجد عماً يواسيه ولا خالا يعزيه سوى جار يقوم بالواجب.لا يعرف "سعيد" شيئا عن عائلته إلا ضبابا من نزاعها وما رسب من ذكريات طفولته. ما عساه أن يفعل وهو يعيش وحيدا في البيت الذي ماتت قلوب الذين سكنوه وأجسادهم…؟ ! حتى جاره قام بواجبه من أجل الواجب لأنه لا يعرف من قصتهم أمسـًا.
بطلائع الياسمين الأبيض ـ نص : عايدة الربيعي
إلى (أ.د)
بطلائع الياسمين الأبيض
لطالما أتى طيفك الشريك، ناصح القلب شفيف آمن ، يعيدني لأتذكر إن للبوح طلائع .لطالما كان شجاعا لا يشق له غبار وكلما نبتت في نسيانه أعادها من جديد، تضفر في رأسها إكليل أفكار الأثير وتمضي، وطلائع النهار تأبى من أبى جافيا في اطلاق الوصال فيسوق تحاياه سرا في معارج الطريق وسحبا تتقاطر من الماء الرفيف فيرف لها هدبا في خفق خبا على مياسم الرقيم ، حتى دُهش صبحها من مساء الوصال المختوم بالرحيق،
أيولد من جديد؟؟؟؟؟؟؟
بطلائع الياسمين الأبيض
وراء الباب الموارب!!!..... ـ قصة : أيت حسو مبارك
وضعت يدي الصغيرة على عيني تلافيا للطقوس الجنائزية التي تحيط بي من كل جانب،وانخرطت في بكاء مرير.ما حولي كله يزرع الخوف والحزن بسخاء. أجساد مترهلة ملفعة في ثياب بيضاء ،،،عيون محمرة من فرط البكاء،،،وصدور تصدر عنها آهات مكسورة.
محاولات أمي لثنيي عن البكاء باءت بالفشل.ربما أربكها سلوكي أمام ربة البيت فجاء سلوكها معي متشنجا،تعنفني طورا وتغريني آخر.
نشيجي يتطاول بطريقة منغمة...حرنت ،لا أحد يستطيع إيقافي عن البكاء...بكائي يزداد قوة بفعل سحائب بخور العود المنبعث من مبخرات فضية وضعت بعناية في زوايا متفرقة من الدار الفسيحة. كانت الحركة قليلة ،على غير العادة،نساء يتنقلن بين الغرف أو باتجاه ’’الروا’’حيث تعد كؤوس الشاي والقهوة للحاضرات.
أنتِ .. أشبهُ بأنتِ ـ قصة : سعيد موزون
تنهدت وقد ارتسمت على شفتيها الزرقاوين بنور القمر ابتسامة شاردة، تحرك قلبها واشتعلت عروقها وجداً، وآثرت أن تتعامى وتتجاهل سكرته ولهيبه.. طاف بها خيالها إلى عالمها: أنوثة كجُحر فأر كثيف السبل، يختلط فيها الضعف بالكبرياء والذوبان والجنون والذكاء والخوف والرغبة في التهام الأشياء وأضراب عديدة من الرجال كأحمد البائس الفقير، الذي يحبها بجنون فظيع .. فظيع جدا .. فما تفعل مع امرئ يحبها حبا لا يسمح فيه لقوانين العقل أن تعمل أو أن تقول كلمتها؟
ثم عادت إليه .. إلى مداعبة قلبه، وهي تفرك أصابعها خجلا وتضحك في دلال، فقالت تستقطر ما في صدره لتعرف نفسها من خلاله:
ما تقول في جمالي؟
بحيرة صافية لا يستحق أن يراها إلا العيون النقية.
والعيون غير النقية؟
انفاس عادية في صباح اكثر من عادي ـ قصة : محمد علي الشحيمي
نهض عيسى من فراشه لما ملأت زقزقة طيور الخطاف باحة المنزل وغرفه الثلاث . اطفأ التلفاز الذي يبث النشيد الرسمي وصورة السيد الرئيس بشيء من الضيق ، وابتعد عنه خطوة . كانت الساعة تقارب السادسة والنصف صباحا ، وكانت موجة الحر قد بدات في الاشتداد ، رغم هطول زخات قوية وطويلة نسبيا من المطر اواسط الليل ... تثاءب فاتحا فمه الى حده الاقصى . ثم توقف لحظة ينضر في الطيور السوداء البيضاء ، وهي في طيران عشوائي داخل المنزل . لم يدر بذهنه اي سؤال ، ولكن مشهد الفوضى لم يرق له تماما ... رفع تبٌانه الى اعلى ،، وفتح ذراعيه يتكسٌل ... احس بالرغبة في العودة الى النوم ،،، التفت الى فراشه المسجى على الارض وسط قاعة الغرفة ، ثم الى الطيور الصاخبة ، ومطط شفتيه في حركة رياضية ... "سيبدا الان يوم جديد" ،، حدث نفسه فانفجرت الكلمات متراخية من عينيه . مضى الى الحنفية في المطبخ غسل وجهه وتفقد ملامحه في المرآة ... فتح ساقيه اكثر من مرة ، وحكك خصيتيه .. حاول تذكر تاريخ اليوم :السادس عشرة من جوان ... تاريخ عادي الى حد الساعة ... وليس بمقدوره ان ...
احتجاجًا على ساعي البريد ـ قصة : هشام بن الشاوي
*الثلاثاء:
أيقظه رنين جرس الباب المزعج. الطارق على عجلة من أمره، لم يجد غير ساعي البريد يمتطي صهوة دراجته النارية، ويغادر. لم يسأله إن كان الطارق، التفت ناحية البيت المجاور، ظنّ أنه أخطأ في العنوان. أحصى ذهنيّا من ينتظر مراسلاتهم.. مجلة وعدت بإرسال ثلاثة نسخ لعدد نشرت فيه قصته، صديق طلب منه عنوانه البريدي دون ذكر السبب، لعلّه يوّد مفاجأته بكتابه الجديد، فعادة، يهدي الكتـّـاب زملاءهم إصداراتهم.
تناهي إلى مسامعه صوت أذان الظهر، أحسّ بالتعب، وبقايا نوم يداعبه، بعد سهرة إبحارٍ عنكبوتيّ.
ما الحياة؟ ـ نص : البوعيادي محمد
يبدو السؤال غريبا بعد كل ما حصل من التنظير الفلسفي و الأدبي و الثقافي , لكن في واقع الأمر كل فرد منا نحن البشر في حاجة لطرح السؤال في مراحل مختلفة من حياته , كلنا في حاجة لمراجعة تصوراتنا عن المعيش و عن ما نمارسه يوميا بشكل روتيني لأننا لا نطرح السؤال حوله و كأنه بديهي أو كأن معرفتنا به من قبيل المسلم ت، وربما يعزى ذلك لكون الظاهرة "الحياة" تحتوينا لذلك تنعدم المسافة بين الموضوع و بين الذات العارفة "الإنسان" , و السؤال عن الحياة يكتسي أهمية قصوى قد لا يدركها المرء , لأن الفرد لا يقدر الأسئلة التي تشغل باله بوعي أو بدون وعي بقدر ما يقدر الأشياء الملموسة و يطرح الأسئلة حول ماهو ملموس فقط ، و يبقى السؤال بذلك مضمرا و مقلقا إلى أن يجده الواحد منا كامنا في تلافيف دماغه , يؤرقه و لا يعرف السبب بل و حتى لا يعرف حلا لأرقه إن لطرح الأسئلة التي قد لا تبدو ذات نفع مادي دورا هاما في تحقيق الراحة النفسية التي تعتبر رأسمال غير مادي هي الأخرى , و قد قال البشر كثيرا عن الحياة , قالوا عنها كل من موقعه و من مرجعياته المعرفية و الحياتية الواقعية و لو أنك تسألهم واحدا واحدا هؤلاء الذين انشغلوا بالسؤال ستدرك التباين الحاصل في إجاباتهم ما يؤكد لك أن الموضوع يستحق التركيز و أن مسألة تصورنا عن الحياة نحن البشر تكتسي أهمية قصوى باعتبارها سؤالا مؤسسا لمنظورنا الكلي للوجود و للذات أيضا التي يتضمنها الوجود أو التي تخلق الوجود وكلا الوجهين ممكنين , و لنفترض جدلا أننا سألنا هؤلاء الذين قالوا عن الحياة و نظروا لها من زوايا مختلفة فما كانت ستكون الإجابات.....