
في " على كيفــك ". الموائد شـبه خالية. المكانُ مُحكَـمٌ، والدفءُ يشيعُ في جوانبه. أبرزُ الأصواتِ وقعُ خطوات النادل في تحركاته لخدمة الرواد القليلين، في بداية اليوم. ضوء النهار بالخارج مختنق، يحاول – عبثاً – أن يجد منفذاً بين طبقات السحب السـوداء الكثيفة التي يدفعها الهواء العاصف من اتجاه البحر الثائر. مسَّت إصبعه جدار الكوب. أدرك أن الكاكاو برد. رشـف لآخر مرة منه. تناهت إلى سمعه كلمات تشوبها لكنة أجنبية، ثم ضحكة صغيرة بدت غريبة. كانت سيدة شـــقراء تداعب النادل النوبي.
تزايدت وطأة المطر بالخارج، وكان لارتطام خيوطه المائلة بواجهة المحل الزجاجية العريضة صوت واضح؛ وكانت الخيوط تجرى في انكساراتها والتواءاتها إلى أسفل. لم يجد بينها خيطا واحداً مستقيما. تنهد ضائقاً. لا يحب من المطر غير رائحته، ولكنها لا تصل إلى فتحتي أنفه في هذا الصندوق الزجاجي الأنيق. تزايدت أبخرة الداخل، وافترشت غلالة منها أسطح الجدار الزجاجي. فقد المكان سحره وميزته كموقع لمراقبة حركة الحياة بميدان " محطة الرمل " في النهار الوليد. أشار للنادل. حاسبه. هــمَّ نصف واقف، وأعـدَّ ساقَـه الاصطناعية للحركة. اســـتقام، وأتخذ طريقه إلى باب الخروج.